الأردن: وثيقة الحركة الإسلامية .. هل من جديد؟

محرر الرأي19 يونيو 2019آخر تحديث :
الأردن: وثيقة الحركة الإسلامية .. هل من جديد؟

الأردن: وثيقة الحركة الإسلامية .. هل من جديد؟

  • وثيقة الحركة الإسلامية تأتي بالفعل كخطوة نوعية في ساحة العمل الوطني في مجال الفكر السياسي والممارسة العملية.
  • التقييم ومراجعة الأداء والاستدراك حيث يلزم، هو المدخل المنطقي والضروري للتطوير وإنضاج التجربة والتقدّم إلى الأمام.
  • لا مكان لمفهوم الأقليات في دولة المواطنة والقانون والحقوق المتساوية، فالجميع شركاء في الوطن، متساوون في الحقوق والواجبات.

* * *

بقلم | عاطف الجولاني

بعد ترقّب طويل، أعلنت الحركة الإسلامية توجهها لإطلاق وثيقتها السياسية وقالت في خبر صحفي صادر عنها إن الوثيقة:

“تعد من أهم وأبرز الوثائق التي أنتجتها الحركة، حيث إنها تعبّر عن السلوك والفكر السياسي المقرّ من مختلف الأطر التنظيمية، بعد سلسلة طويلة من الحوارات الداخلية وعشرات اللقاءات والورش النقاشية التي امتدت على مدار ما يزيد عن عام كامل حتى تم إنضاجها والتوافق الداخلي على مضامينها عبر مختلف المستويات التنظيمية”.

خبر الحركة الإسلامية يبرز أهمية الوثيقة، ويؤكد أنها ليست بياناً ولا مذكرة سياسية ولا برنامجاً انتخابياً، بل وثيقة مرجعية في الفكر السياسي، تعبّر عن التوجهات الاستراتيجية بعيدة المدى للحركة الإسلامية، وبما يحدد سياساتها، ويرسم مسارات عملها المستقبلية، وينظم أداءها لمرحلة طويلة قادمة.

فهل تشكّل الوثيقة تطويراً أم مراجعات تجريها الحركة الإسلامية على فكرها وأدائها السياسي، أم تعبّر عن تراجعات في توجهاتها ومنطلقاتها، وهل ثمة مغزى خاص لتوقيت إطلاقها، حيث سبقها قبل عدة أسابيع طرح مبادرة سياسية بخصوص مشروع الإصلاح في الأردن، وإقرار رؤية الحركة الإسلامية المرحلية للعامين 2019 و2010، وهل تنسجم الوثيقة والرؤية والمبادرة أم تتعارض وتتباين؟

المؤشرات من داخل الحركة الإسلامية تؤكد أن وثيقتها تشكّل تطوّراً طبيعياً ومنطقياً في مجال الفكر والممارسة بعد مرور سبعة عقود على إنشائها، في ظل تحولات هائلة شهدها العالم وعصفت بالمنطقة، ولم يكن الأردن والحركة الإسلامية بمنأى عن ذلك. كما أن تطورات مهمة حصلت على صعيد البنى الهيكلية للحركة الإسلامية، وعلى صعيد علاقتها بالجانب الرسمي، تستدعي تطويراً في المقاربات والتوجهات وآليات العمل.

بحسب المؤشرات من داخل الحركة، ثمة روح ناظمة للوثيقة والرؤية والمبادرة، حيث صدرت جميعها عن وعي فكري وسياسي متسق ومنسجم، وليس بينها تعارضات أو تناقضات، فقد تزامنت من حيث التوقيت، وصدرت الرؤية المرحلية والمبادرة السياسية في ذات الوقت الذي كان يجري فيه مناقشة الوثيقة السياسية، بل إن هناك من يذهب إلى أن المبادرة والرؤية شكلتا ترجمة عملية لروح الوثيقة ومضمونها وتوجهاتها.

ما صدر عن الحركة الإسلامية بخصوص وثيقتها المزمع إعلانها، يشير إلى أن ثمة ما هو جديد ونوعي، ويوضح رغبة الحركة برسم صورتها الحقيقية كما هي، بعيداً عن تزيين المحبين، وتشويه الخصوم والمغرضين.

بحسب المعلومات المتوفّرة عن مضمون الوثيقة، فإنها تعرض لمبررات إصدارها، وتطرح عدداً من المنطلقات الفكرية والسياسية، وتوضح رؤية الحركة للمصالح الأردنية العليا، وتحدد أهداف الحركة التي تسعى لتحقيقها وتعمل من أجلها.

على صعيد المبادئ والمفاهيم والتوجهات السياسية، تحدد الوثيقة موقف الحركة إزاء العديد من المسائل المهمة، كالمشاركة والمعارضة السياسية، ودولة المواطنة، والعنف والتطرّف والإرهاب، وحق مقاومة لاحتلال. كما توضح نظرة الحركة للدستور الأردني، وللمفهوم التكاملي للأمن الوطني، ولتحقيق الإصلاح الشامل.

وتبرز الوثيقة البعد الوطني في رؤية الحركة وأولوياتها، وتحدد هويّتها بصورة واضحة غير ملتبسة كحركة أردنية: وطنية الانتماء، عربية العمق، إسلامية الهوية والمرجعية، وسطية النهج.

وتؤكد الوثيقة أهمية الانفتاح على المجموع الوطني، ورفض فرض الآراء والقناعات بالقوة، واحترام التنوّع والتعددية، والحرص على تعزيز قبول الآخر، ونبذ ثقافة الكراهية، والسعي للوصول إلى توافقات وشراكات وطنية، وتؤكد رفض الحركة لمنهج الانفراد والاستحواذ والإقصاء للآخر أو اتهامه أو ازدرائه أو تخوينه أو تكفيره.

وتؤكد الوثيقة انفتاح الحركة على المشاركة الفاعلة والمهدّفة، وتوضح أن المعارضة ليست مبدأ ولا نهجاً دائماً، وتشدد على إدانة التطرف والإرهاب، ورفض استخدام العنف والإكراه وسيلة للتغيير السياسي وإدارة الخلافات السياسية وفرض الرؤى والقناعات الفكرية والسياسية..
كما تؤكد رفضها تبرير التطرّف وتسويغ العنف والإرهاب بأي حجج أو ذرائع، وتدعو إلى تعزيز الانفتاح والتعايش وقبل الاجتهاد الآخر وإشاعة روح الاعتدال الفكري والسياسي.

وتشير الحركة في وثيقتها إلى تبنيها مفهوم دولة المواطنة، ورفضها التمييز بين المواطنين على أساس الجنس أو المعتقد أو العرق أو الموقف السياسي، ورفضها كذلك التعامل السلبي مع أي شريحة من شرائح الوطن بمفهوم الأقلية والأغلبية.

فلا مكان لمفهوم الأقليات في دولة المواطنة والقانون والحقوق المتساوية، فالجميع شركاء في الوطن، متساوون في الحقوق والواجبات.
وتوضح الوثيقة نظرة الحركة الإسلامية للدستور الأردني كوثيقة مهمة ومتقدمة، وتؤكد أهمية أن يحترمه الجميع، وتتبنى الحركة المفهوم الشامل والتكاملي للأمن الوطني وتعتبر نفسها شريكاً أساساً في تعزيزه وصيانته.

وتؤكد انفتاحها على الجانب الرسمي بمختلف المستويات وعلى رأس ذلك ملك البلاد، وتبرز سعيها لعلاقة إيجابية مع مختلف مؤسسات الدولة، وحرصها على إرساء مفهوم “الجماعة الوطنية” التي تشمل كل الأطياف الفكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية وإن تباينت مواقفها واجتهاداتها.
وإذ تؤكد الوثيقة أهمية إنجاز الإصلاح الشامل، فإنها تشدّد على ضرورة تحقيقه عبر مسار سلمي آمن ومتدرج، من خلال الحوار والنقاش الوطني البناء، بعيداً عن التعنت وعن كل أشكال العنف وفرض الآراء والقناعات على المجموع الوطني.

ما تقدّم، يوضح أن وثيقة الحركة الإسلامية تأتي بالفعل كخطوة نوعية في ساحة العمل الوطني في مجال الفكر السياسي والممارسة العملية.
وبعيداً عن الخلاف والجدل غير المفيد أو المنتج عماّ إذا كانت الوثيقة تضمنت تطويراً أو مراجعات وتقييماً للتجربة السابقة، فإن العبرة بالمضمون، مع تأكيد أن التقييم ومراجعة الأداء والاستدراك حيث يلزم، هو المدخل المنطقي والضروري للتطوير وإنضاج التجربة والتقدّم إلى الأمام، سواء تعلق الأمر بأفراد أو مؤسسات أو كيانات سياسية أو دول، وإلا فإن البديل عن ذلك الجمود والتكلّس والتقهقر.

وللحديث بقية بعد إعلان الوثيقة.

* عاطف الجولاني كاتب صحفي أردني
المصدر | السبيل الأردنية

موضوعات تهمك:

الأردن يحتاج إلى «مؤمنين» لا «مخبرين»

الأردن بين نارين

الذباب الإلكتروني يهاجم الأردن

أوراق الأردن في مواجهة صفقة القرن

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة