هل تقبل طهران الحوار الفكري العربي ــ الإيراني؟

محرر الرأي12 مارس 2019آخر تحديث :
الحوار الفكري العربي

هل تقبل طهران الحوار الفكري العربي ــ الإيراني؟

  • أين يمكن أن نحرر منظومة أخلاق وأفكار تدخل إنسان الشرق في عالم الجدل الحضاري بعمق تاريخي وخصوصية شرقية؟
  • حوار حضاري إسلامي لا علاقة لها بأنظمة الحكم و المشروع الطائفي للشيعية السياسية والمشروع الطائفي الوهابي للدولة السعودية،

بقلم: مهنا الحبيل

عندما تحدثت سابقا عن الحوار العربي الإيراني المختلف، وأني سأفرد مقالا خاصا له، فقد كان ذلك التخصيص والتأني، لأجل أن هذا الحوار يختلف عن سياقات الحوارات الأخرى، بين الشرق المسلم وبين الغرب، وبين التيارات المذهبية والفكرية.

اقرأ/ي أيضا: خفايا الحملة الصليببية لترامب

فالعلاقة مع إيران وجودية جغرافية حتمية، والتباس سياسي وثقافي قديم، لكني ركزت على بعدين أساسيين في هذا الحوار، رابطنا الشرقي المسلم مع إيران، وعلاقتنا ضمن الجغرافيا الاجتماعية، للشعب العربي في ساحل الخليج العربي من العراق إلى عمان.

وحيث فرزنا في المرة السابقة الحوار السياسي الاستراتيجي، لكونه يقوم على معادلة دول ونفوذ وبطاقات مصالح، لا تتوفر اليوم في الجانب العربي، فيما تتصاعد فرص طهران لتتمكن من نفوذها السياسي والعسكري الطارئ والقديم.
ساهم فيه القرار الأحمق للأزمة الخليجية، وتحولت تركيا لصالح تحالف نوعي مع طهران، فإننا في ساحة الفكر لنا معايير أخرى، لا يمكن أن تخضع لموازين الاشتباك.

اقرأ/ي أيضا: محاكم التفتيش الحديثة

وإلا خسرنا ما تبقى من روح مصالح مشتركة لشعبينا، وخاصة في ظل الموقف العربي الثابت، من وضع إقليم الأحواز العربي، وحق شعبه في حقوقهم السياسية وفيدراليتهم المطلقة، لو قرروا تأجيل حق تقرير المصير.
إن فرزنا لهذه الملفات، هو محاولة لوضع جدول أو تحديد عنوان لماهية الحوار الفكري العربي الإيراني، وهو حوار حضاري بنزعة إسلامية، لا علاقة لها بأنظمة الحكم.

وتبتعد عن المشروع الطائفي للشيعية السياسية التي تبنتها الثورة الإيرانية، والمشروع الطائفي الوهابي، الذي تبنته الدولة السعودية، والابتعاد عن اللغة التي أفرزها المشروعين شرط أساسي، فقد اُتخم الناس من هذا الضخ الكريه لكلتا الدولتين الطائفتين.

اقرأ/ي أيضا: تعريف الطائفية والزعماء الطائفيين

لكن ما تحتاج إيران فهمه، هو أن هناك مساحة قبول وتداخل وأفكار مشتركة، بين الشعبين العربي والإيراني، وجزء منه قد صنع فكرا مناوئا لكلتا السياستين، لكنه عمل أخلاقي وسياسي اجتماعي مهم، أن تترك له المساحة للتحاور، وعدم الإلزام بتمثيل أطرافه من جهات حكومية.

بل ترك مساحة هذه الجسور المهمة بين الشعبين والأفق الإنساني الحضاري، ومفهوم إحياء قيم العدالة والتنوير، التي تمتلكها حضارة الشرق المسلم، بين العرب والإيرانيين تحديداً، واستبدال لغة الصراع القومي والعنصري، بلغة الفكر والتفاهم الفلسفي.

وأين يمكن أن نحرر لأنفسنا وللعالم، منظومة أخلاق وأفكار، تساعد إنسان الشرق على الدخول في عالم الجدل الحضاري والتميز فيه، بعمق تاريخه القديم وفكرته الإسلامية وخصوصيته الشرقية، ذات الانفتاح العالمي، فتجتمع حركة الثقافة من الجانبين، دون توظيف سياسي لتعيد أولاً لغة الخطاب المطلوبة بيننا.

اقرأ/ي أيضا: الراهبات جواري في كنيسة الفاتيكان

ثم فهم أزمة العدالة والأخلاق في الشرق، وأزمة الفراغ في فكر الإنسان والتيه، الذي أفرزته الآلة الغربية الحديثة واضطهادها لعالم الجنوب، لكن من خلال الاعتراف بما نجحت فيه مسيرة التنوير الغربي، والبناء التكاملي الحضاري، الذي يجمع العالم ويُنقذ الأمم الكادحة، على الأقل كقيم ثقافية يُبشر بها للعالم الجديد.

إن تحديدي هنا هل تقبل طهران، ليس انحيازاً ولا تغييبا لموقف الأنظمة العربية، وإنما لمعرفتي بأن الحالة الثقافية العربية اليوم، تضم عدداً من المستقلين استقروا في المهجر، أو المنفى، وأنهم على استعداد للدخول، في حوار مباشر كون أنه حوار فكري ثقافي، وليس مواسم للدولة الإيرانية للترويج لعلاقات عامة لمشاريعها.

وهم لا ينتظرون مطلقا موقف السلطات القمعية العربية، لكنهم ينتظرون موقف إيران، من السماح لكل الطيف الفكري الإيراني، بما فيه التيارات الثقافية غير المتفقة مع سياسات الجمهورية مؤخراً، ولا يمنع ذلك من مشاركة من هم فعلاً، ذوو نزعة إصلاحية فكرية في مؤسسات إيران، لكنهم يؤمنون بالطريق الثالث.

اقرأ/ي أيضا: الشيعة العرب: المواطنة والهوية

وكانت هناك محاولات في هذا التوجه، قادها الأخ د. محمد حامد الأحمري، مدير مركز العلاقات العربية الدولية في الدوحة، ربما اليوم تحتاج لإعادة جدولة وتنظيم، لتبدأ بإطار جديد، لكن ما لم تؤمن الدولة الإيرانية بمساحة الحرية لهذا الفكر، فلن نستطيع أن ننجز فيه شيئاً وسيفشل كما فشل ما قبله.

* مهنا الحبيل كاتب عربي مستقل مهاجر في كندا.
المصدر: الوطن – الدوحة

 

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة