يوسف زيدان ووطنيته الزائفة وعقلانية إسرائيل!

الساعة 2516 أكتوبر 2018آخر تحديث :
يوسف زيدان ووطنيته الزائفة وعقلانية إسرائيل!

يوسف زيدان ووطنيته الزائفة وعقلانية إسرائيل

  • ما يفعله زيدان وأمثاله ليست قناعات، بل خدمات لأسيادهم وتمهيدا لمخططات ومؤامرات أكبر!
  • قضية فلسطين ليست مسألة خلاف في الرأي حول موقف سياسي، ولا قضية أخوة ودم ولغة مشتركة وتاريخ مشترك وجغرافيا.
  • فلسطين قضية إنسانية أخلاقية غير قابلة للنقاش والتأويل.. قضية الخيار فيها بين الحق والباطل، إنها قضية حق وشعب محتل يريد التحرر من هذا الاحتلال وقمعه وإرهابه وأبارتهايده.

 

بقلم: علي الصالح

في الوقت الذي تكتسب فيه القضية الفلسطينية زخما شبه يوميا تقريبا على الصعيد الشعبي في العالم، وأيضا في أوساط المثقفين والفنانين والطلاب والأكاديميين وغيرهم، تحرك إسرائيل زبانيتها في أوساط “المثقفين” العرب، في محاولة فاشلة لخلق نوع من التوازن امام جمهورها.

وفي صرعة جديدة يعود إلينا الروائي المصري يوسف زيدان صاحب رواية “عزازيل” بعد تخريفاته حول القدس والحرم القدسي الشريف، قبل نحو أكثر من عامين، خرج علينا مجددا قبل أيام مفصحا عن رغبته في زيارة إسرائيل، وهذا حق له إن أراد، ولا أسف عليه.

لكن أزمة المتأسرلين والمطبعين دائما، أنهم يتطاولون وهم يكشفون عن وجوههم الصفراء، وعن رغبتهم في التطبيع، على نظرائهم من المثقفين والكتاب في بلدانهم، الذين يرفضون هذا اللهاث غير المنطقي وغير المبرر للتطبيع، ليس مع دولة احتلال فحسب، بل دولة يمينية وعنصرية يقرن اسمها بالابارتهايد!

دولة ينفض العاقلون والمثقفون والأكاديميون وغيرهم من حولها. ولا يكتفي زيدان بتطبيعه شخصيا، بل يريد من الكل أن يقدم على فعلته الخيانية المشينة. ويصف من يرفض دعواته للتطبيع بالجهلة وغير الوطنيين. وكأن التطبيع مع دولة احتلال هو العلم والنور والثقافة والحضارة وقمة الوطنية! هؤلاء المطبعون لديهم القدرة على قلب الحقائق بوقاحة منقطعة النظير!

بعد نجاح رواية “عزازيل” والشهرة التي حظي بها، وبعد أن خفتت الأنوار عنه، أطل علينا زيدان بخزعبلاته بشأن الأقصى ويهوديته، التي لم تخدم أحدا سوى إسرائيل، خاصة أنها جاءت في أوج هبة الأقصى، فعادت صوره لتتصدر مجددا وسائل الإعلام.

قرر زيدان هذه المرة العودة إلى وسائل الإعلام يطبل وبزمر. فلم يجد أفضل من “الإعلان” عن رغبته في زيارة إسرائيل. ولو أراد زيارة إسرائيل “العدو العاقل” كما يصفها، لزارها مرة ومرات وما انتظر تصريحا. ولكنه لا يريد أن تمر مثل هذه “المفاجأة” من غير “طنة ورنة”. ليس الغرض من الإعلان سوى الحصول على الدعم من آخرين، بقدر ما هو عودة لوسائل الإعلام.

والملاحظ أن الوحيدين الذي سعدوا بتصريحاته الجديدة، كما في المرات السابقة، هم “اولاد عمومته” الذين أشادوا به و”بشجاعة وجرأته”. زيدان وأمثاله كالسرطان في الجسم المصري والعربي، يحتاج كي يبقى حيا إلى الاوكسجين، ووسائل الإعلام هي أوكسجينه، ويريد تحقيق شهواته ورغباته وأمنياته بغطاء رسمي من وزارة الخارجية واتحاد الكتاب المصريين.

انتهز هذه المناسبة لكي أتوجه للسيد زيدان بعرض مغر وسخي يحقق له أمنيته، بشراء تذكرة إياب فقط للسفر إلى دولة الاحتلال وقضاء ما تبقى له من العمر في الدولة التي يعشق.

ويشمل العرض للسيد زيدان أيضا تكاليف الإقامة هناك ليس في فندق خمسة نجوم، بل في شقة في أحد مخيمات الضفة الغربية المحتلة، التي لم يبد يوما حماسا لزيارتها، ولو من باب حب الاستطلاع والمعرفة، لأنها قد توقظ فيه بقايا ضمير.

لكنني على يقين من أن وزارة خارجية الاحتلال ستكون اكثر سخاء مني، فمن يدعو صحافيين عرب مبتدئين في رحلات خمسة نجوم إلى إسرائيل ضمن برامج تنظمتها وزارة خارجية الاحتلال لتحسين صورتها وإظهار “الوجه الحسن والجميل للديمقراطية الاحتلالية” لن يبخل على زيدان بزيارة ستة نجوم.

والشيء الأغرب في إعلان زيدان هو وسائل الإعلام التي اختارها، ومن بينها إذاعة جيش الاحتلال، لإطلاق صرخته ورغبته الدفينة في زيارة إسرائيل، لغرض إلقاء محاضرة، ربما ليؤكد لهم شخصيا حقهم في فلسطين والقدس والأقصى، والحقيقة أن زيدان شخص جبان.

فمن اختار التطبيع مع دولة الاحتلال ووصف زملاءه المعارضين بالجهلة، لا يحتاج إلى إذن من أحد، فهو ليس بحاجة إلى غطاء، وحتى هذا الغطاء يوفره له ولأمثاله اتفاق كامب ديفيد، الذي فشل بعد نحو40  عاما، في تحقيق الاختراق شعبيا وثقافيا الذي طالما تتمناه دولة الاحتلال، واختار الإمساك بالعصى من وسطها لارضاء جميع الأطراف.

فهو أراد إرضاء إسرائيل والترويج لها، بالتعبير عن رغبته بزيارتها وحبه وتقديره لها، واراد في الوقت نفسه الفوز بموافقة وزارة الخارجية ليضمن الغطاء السياسي، كما اراد موافقة اتحاد الكتاب المصري كي لا يفصله من عضويته، كما حصل مع غيره، وفي مقدمتهم السيناريست والكاتب المسرحي علي سالم، الذي كان من اوائل الداعين للتطبيع مع إسرائيل، وفصل من اتحاد الكتاب لزيارته دولة الاحتلال.

ويبدو أن زيدان أكثر “حكمة” أو لنقل انه تعلم من تجربة استاذه علي سالم، الذي كان يقول إن إسرائيل لا تشكل تهديدا للأمن القومي المصري. وأراد زيدان أن يعطي زيارته لدولة الاحتلال مسحة وطنية باستخدام تعابير مثل “خدمة البلد”. ولكن الأرجح أن زيدان يريد خدمة نفسه، كما فعل علي سالم في نشر تجربته في كتاب ترويجي لدولة الاحتلال وما يسمى التطبيع والسلام.

دافع زيدان في حوار تلفزيوني، عن دعواته للتواصل بين المثقفين والكتاب المصريين ونظرائهم الإسرائيليين، انطلاقا من أن هذه العلاقات تخدم، حسب مزاعمه، مصر وقوتها في المنطقة.

وهو بذلك إنما يريد أن يعطي لنفسه ومواقفه تلك المسحة الوطنية التي يفتقرها، باتهام من يرفض تطبيعه بالعمل على “إهدار عنصر القوة الوحيد الذي تملكه مصر وهو الفن والثقافة”.

هل يعقل أن يحصر زيدان، صاحب الوطنية الزائدة، أو بالاحرى الزائفة، عناصر القوة والطاقات والثقل لبلد مثل مصر، وشعب يفوق عدده المئة مليون نسمة بطاقاته البشرية وقدراته، فقط في الفن والثقافة، مع كل احترامنا للثقافة والفن؟

وهل يعقل أن تكون إسرائيل هي التي ستعزز هذه القوة في مصر، أم الحضارات؟ وهل يعتقد زيدان أن تدعم إسرائيل مصر على أي صعيد، في يوم من الأيام، وهي تعرف بدواخلها أن مصر ستظل مصدر الخطر الاستراتيجي الحقيقي بشعبها الأبي ومواقفه المبدأية من القضية الفلسطينية وقواها الوطنية وجيشها.

ألفت انتباه زيدان إلى ما قاله الرئيسي السيسي في اجتماع مع الجيش قبل أيام من أن مصر انتصرت على إسرائيل مرة، وهي قادرة على الانتصار عليها مرة أخرى.

وهل يمكن أن يضعف عدم التطبيع الثقافي مع إسرائيل، مصر “أم الدنيا وزعيمة العالم العربي”. يريد زيدان أن يلقي اللوم بالأزمة المصطنعة التي يزعمها عنها، لا عليه وعلى أمثاله، بل على رافضي التطبيع! أي كذب وافترا هذا.

وأخيرا فالقضية الفلسطينية ليست مسألة خلاف في الرأي حول موقف سياسي، ولا قضية أخوة ودم ولغة مشتركة وتاريخ مشترك وجغرافيا فكلها أشياء تعلمناها في الصغر ونسيناها في الكبر.

إنها قضية إنسانية أخلاقية في الدرجة الأولى غير قابلة للنقاش والتأويل، إنها قضية، الخيار فيها بين الحق والباطل، إنها قضية حق وشعب محتل يريد التحرر من هذا الاحتلال وقمعه وإرهابه وأبارتهايده.

زيدان ومن هم على شاكلته، يقفون إلى جانب الباطل، بينما العالم بأسره بعقلائه وقواه الحية من أكاديميين وفنانين وروائيين، وحتى الكثير من سياسييه وأناسه العاديين يقفون مع الحق.

ما يفعله زيدان وأمثاله ليست قناعات، بل خدمة لأسيادهم وتمهيدا لمخططات ومؤامرات أكبر، بينما الآخرون يُقبِلون على دعم القضية ليس لخدمة أحد ولا لسواد عيون الفلسطينيين ولا حبا لهم، بل لعدالة قضيتهم وانطلاقا لمواقف أخلاقية وإنسانية وحق.

واختتم بالقول إن زيدان وأمثاله يسيرون عكس التيار وضد منطق التاريخ، فالاحتلال إلى زوال، كما الفصل العنصري إلى زوال. التاريخ لن يرحم يوسف زيدان ولا رحم من قبله علي سالم، وكل دعاة التطبيع من بعدهما.

لقد اختاروا الوقوف في صف نتنياهو وايليت شاكيد وأيوب قرا وفنتالي بنيت وافيغدور ليبرمان ونيكي هيلي وجون بولتن وسيدهم في البيت الابيض دونالد ترامب. فالى جهنم وبئس المصير.

  • علي الصالح كاتب فلسطيني

المصدر: «القدس العربي»

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة