هذا العالم .. كذاب ونصاب ومنافق وأفاق

محرر الرأي13 يونيو 2013آخر تحديث :
destruction

destructionبقلم إدريس الدريس

لا تحتاج أميركا إلى حجج لتقف في صف المظلوم وفقاً لمبادئها، ولم تكن الحجج الأميركية المدعاة لتدخلها في العراق بأقل من الشواهد المنطقية التي تبرر لها أخلاقياً وإنسانياً الوقوف إلى جانب الثوار في سورية

  وحمايتهم من بطش بشار. غريب ما يحدث في سورية من قصف وهدم وسلخ ومسخ، فمنذ أكثر من عامين وأرتال السلاح، براً وجواً، وبحراً تضرب البشر والحجر، وتتوالى المذابح وتتوسع المدافن وتهتك الأعراض عن أيمان الناس وعن شمائلهم ومن فوقهم ومن تحتهم، وتقطع الأطراف وتبقر البطون وتفقأ العيون وتقتل الناس أفواجاً، في اليقظة أو في المنام، تحت أنظار العالم المتقدم والقوى الكبرى التي تحكم العالم.

كل هذه الهمجية البشرية تتم فيما تتولى دول الفيتو دعم النظام الحاكم وإطلاق يده ليقضي على الثورة بكل ما أعطي من قوة، وأما نصف الفيتو الآخر فيتولى مهمة التنديد والتهديد في تصريحات رتيبة ومملة عن ضرورة تنحي الأسد، في تخدير واضح للمتطلعين إلى أميركا وأوروبا أن تصنع شيئاً في مواجهة الدب الروسي أو التنين الصيني، لكن لا شيء يحدث من “الإمبرياليين” عدا ما يتم بثه من عبارات محذرة ومخدرة عبر المؤتمرات الصحفية للرئيس الأميركي أو لطاقمه التنفيذي بما يؤكد أن هناك اتفاقاً ضمنياً بين هذه القوى الكبرى لإعطاء النظام السوري الحق في مواجهة الثوار السوريين، وأن هناك اتفاقاً دولياً وإجماعاً على عدم السماح للثورة السورية بالانتصار.

الواضح في قراءة لما يحدث على الأرض أن المزاج الدولي غير راغب في استبدال النظام السوري قدر الإمكان، ما لم يجبر على القبول – مرغماً – برغبة الشعب السوري بما يدفعه للبحث عن حكومة توافقية تحقق أهداف المخطط الغربي الذي يظهر أنه متجه لتمكين النظام الإيراني من تولي دور شرطي الخليج، وهو الدور الذي كان قائما أيام الشاه، خاصة مع الانحياز الغربي الواضح لتغليب سيطرة النظام الشيعي في المنطقة لتبديد مخاوف الغرب من وصول بعض الحركات الإسلامية السنية المتطرفة إلى كراسي الحكم، ما قد يشكل تهديداً واضحاً لإسرائيل التي تمارس بين فترة وأخرى دوراً تحالفياً وتعضيدياً لنظام بشار من خلال بعض الطلعات والاختراقات الجوية للأجواء السورية أو ضرب بعض الأسلحة المكدسة على نحو يُكِسب النظام السوري صفة الممانعة والمقاومة، وهو الذي لم يقاوم أو يطلق خلال عقود طويلة رصاصة واحدة تجاه إسرائيل، ولم يشكل تهديداً من أي نوع لإسرائيل، إلا أنه بالمقابل وخلال العامين الماضيين تولى قتل وتشريد مئات الآلاف من الشعب السوري.

جاءت الثورة السورية لتمارس – يومياً – تعرية العالم المتقدم وتكشف لكل ذي بصيرة أن هذا العالم المتحضر يكيل بمكيالين، وأنه إنما يسير وفق مصالحه في نفاق واضح وكذب صريح وتخل مخجل عن كل المثل والتشريعات التي تبناها في دساتيره، يركبها عند الضرورة ويركلها عند الحاجة. وفي هذه المناسبة، هل تتذكرون المحكمة الجنائية الدولية التي تلاحق مجرمي الحروب؟ ألا تشعرون أنها في سبات طويل .. طويل؟ وفي هذا العالم المتحضر، ألا تشعرون بغياب هيئات ومنظمات حقوق الإنسان عن ما يحدث في سورية من انتهاك لحقوق البشر وما تنقله الكاميرات موثقاً من سحل وحرق وقتل ودفن جماعي؟

أين هذه الهيئات المدنية المتحضرة من هذا التوحش الآدمي وهي تهرول أحياناً خلف بعض الحالات الفردية الأقل شأناً أو بعض الحالات التي تدخل في سياق الاختلاف الاجتماعي أو العقدي بين ثقافات وأعراف الشعوب المختلفة لكنها تعدها انتهاكاً لحقوق الإنسان؟
أين هذه الهيئات ومؤسسات المجتمع المدني في العالم الغربي من الامتهان الذي يطال الحقوق الإنسانية للإنسان السوري؟ لا تحتاج المحكمة الجنائية الدولية ولا منظمات حقوق الإنسان إلى أدلة أو وثائق لإدانة جرائم الحرب التي يمارسها النظام الحاكم في سورية، وبدعم مكشوف وواضح من روسيا ومن إيران ومن العراق ومن مليشيا حزب الله يومياً خلال أكثر من عامين. ولا تحتاج الولايات المتحدة الأميركية إلى حجج لتقف في صف المظلوم وفقاً لمبادئها التي قامت عليها، ولم تكن الحجج الأميركية المدعاة لتدخلها في العراق بأقل من الشواهد المنطقية التي تبرر لها أخلاقياً وإنسانياً الوقوف إلى جانب الثوار في سورية وحمايتهم من بطش بشار وأزلامه. وبالمقابل فإن ما يحدث في سورية يفوق ما كان يحدث من ظلامات وعنف من قبل نظام القذافي في حق الشعب الليبي، وهذا كله وأكثر منه هو ما يسوغ ضرورة تدخل حلف الناتو لردع النظام السوري وحماية الشعب كما فعلوا مع النظام الليبي، لكن العالم المتحضر يكشف زيفه هذه المرة بوضوح ينسجم مع مصالحه النفعية ويتعارض مع ادعاءاته ومثله التي تتغير وتتبدل بحسب الظروف لتصبح منسجمة مع المصالح البعيدة والقريبة.

معركة القصير كانت آخر أوضح دليل على كذب ودجل ونصب ونفاق العالم المتقدم، ثم إنها دليل على أن هذا العالم يحترم القوي، وأنه يرضخ لمن يواجهه بالرفض، وفيما تأتي أحداث سورية في ظل تفكك عربي وتشتت غير مسبوق في وحدة القرار، لذلك فإن هذا العالم المتقدم يرضخ للتطلعات الإيرانية التي ترمي للسيطرة على المنطقة مدعومة في هذا التوجه من بعض حلفائها الذين تم زرعهم في المنطقة خلال العقود الماضية في لبنان و سورية والعراق، بما يؤكد أن الإصرار والعزيمة هما اللذان يغلبان التردد والمهادنة والتسويف.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة