مفارقات انتخابات الكونغرس

محمود زين الدين16 نوفمبر 2018آخر تحديث :
مفارقات انتخابات الكونغرس

مفارقات انتخابات الكونغرس

  • رغم رفض الناخبين للاستقطاب السياسي ومطالبتهم بعمل سياسي عابر للأحزاب، وزع المجتمع السلطة بين الحزبين لئلا ينفرد أحدهما بها.
  • كانت نتائج الانتخابات استفتاءً على الرئاسة وكشفت عن مقاومة حقيقية للتيار الذي تمثله داخل المجتمع.
  • يظل المجتمع منقسماً بحدة كالكونغرس الذي سيتولى الحكم في يناير المقبل مما يحمل بذاته مفارقة دالة.

بقلم: منار الشوربجي

نتائج انتخابات الكونغرس كانت حافلة بالمفارقات اللافتة التي تحمل كلها الرسالة المهمة التي أرسلها الناخبون الأميركيون لمؤسسات الحكم في واشنطن.

أولى تلك المفارقات كان التعددية اللافتة التي حملتها نتائج الانتخابات. فرغم أن صوت اليمين الشعبوي المعادي للأقليات والمرأة علا بشكل لافت خلال العامين الماضيين، حتى وصل إلى جرائم عنف ارتكبت ضد السود واليهود والأميركيين من أصل لاتيني، كان عدد الذين فازوا بمقاعد من الأقليات والنساء لافتاً بشكل كبير.

ولعل التعبير الذي أطلقه فان جونز، الذي كان مستشاراً لأوباما عبر سي إن إن، كان الأكثر تجسيداً لما جرى في الانتخابات. فهو قال إن انتخابات الكونغرس ربما لم تكن «موجة زرقاء»، أي فوزاً كاسحاً للديمقراطيين.

ولكنها كانت بالتأكيد «موجة قوس قزح»، أي موجة تعددية لا تخطئها العين. ولعل أهم ما تمخضت عنه نتائج تلك الانتخابات كان ذلك العدد الضخم من النساء اللائي انتخبن لمقاعد المجلسين، والذي وصل إلى المائة لأول مرة في التاريخ الأميركي.

المفارقة الثانية مرتبطة بحكاية «الموجة الزرقاء» هي الأخرى. فاللون الأزرق يقصد به الديمقراطيون، بينما يقصد باللون الأحمر الحزب الجمهوري. فهناك رسالة مهمة أيضاً حملها استطلاع للرأي أجرته رويترز عشية إعلان النتائج. فرغم أن نتائج الانتخابات قد لا تمثل موجة زرقاء إلا أن 70 بالمائة من الناخبين قالوا إنهم مع وضع قيود على اقتناء السلاح واستخدامه من جانب المدنيين.

وهي مفارقة لأن الحزب الجمهوري، وترامب نفسه، يرفضون بشكل قاطع وضع أية قيود على اقتناء الأسلحة. ولم يمض أسبوع الانتخابات حتى كانت واقعة عنف جديدة قد جرت في ولاية كاليفورنيا وراح ضحيتها أكثر من عشرة أشخاص بعد أن أطلق شخص النار عشوائياً واستخدم قنابل دخان داخل مطعم وبار يرتاده الشباب.

المفارقة الثالثة التي حملتها الانتخابات تتعلق باحتفاظ الجمهوريين بالأغلبية في مجلس الشيوخ. فرغم نجاح الجمهوريين في زيادة عدد مقاعدهم بمجلس الشيوخ إلا أن رسائل عدة حملتها نتائج الانتخابات.

ففي ولاية فلوريدا مثلاً، المعروفة بأنها من معاقل الجمهوريين، لا يزال مقعد مجلس الشيوخ ومنصب حاكم الولاية على المحك في إعادة لعد الأصوات. لكن المفارقة أن ناخبي الولاية ذاتهم هم الذين صوتوا بواقع 64% لصالح استفتاء يعيد فوراً لقوائم الناخبين أكثر من 10% من ناخبي الولاية.

والذين كانوا محرومين من التصويت لأنهم أدينوا في جرائم مختلفة أمضوا بالكامل فترات العقوبة عنها. وولاية فلوريدا واحدة من بين 4 ولايات أميركية تحرم من سبق أن أدينوا من التصويت مدى الحياة وهو أحد التكتيكات التي ظلت مستخدمة منذ مرحلة الفصل العنصري لحرمان السود تحديداً من التصويت.

فنظراً لعدم عدالة النظام القضائي الجنائي فإن السود الأكثر عرضة للإدانة من البيض وغيرهم من الأقليات لأسباب متعددة تم توثيقها أكاديمياً خلال العقدين الأخيرين. بعبارة أخرى، فإن الولاية التي منحت أصواتها للجمهوريين بمجلس الشيوخ ومنصب حاكم الولاية هي التي أعادت حوالي خمس السود لقوائم الانتخابات بعد حرمانهم منها.

والمفارقة الثالثة التي لا تقل أهمية هي تلك المتعلقة بالانتخابات التي جرت لمناصب حكام الولايات. ففي ولايتي جورجيا وفلوريدا الجنوبيتين كانت هناك منافسة شرسة للجمهوريين من جانب اثنين من السود. وولايات الجنوب هي معقل الحزب الجمهوري، وهي أيضاً الولايات التي لها تاريخ من التمييز المرير ضد السود بما في ذلك محاولات لحرمانهم من التصويت.

لكن المفارقة كانت أوضح في ولاية جورجيا، فالسيدة السوداء ستيسي أبرامز كان منافسها الجمهوري برايان كمب، هو سكرتير الولاية، وهو المنصب المسؤول عن إدارة الانتخابات أصلاً. ومع ذلك، ظل الرجل في منصبه رغم أنه أحد المنافسين. والولاية معروفة بالكثير من التكتيكات الانتخابية التي تستخدم لحرمان السود تحديداً من التصويت.

وترتبط كل تلك المفارقات بشكل وثيق بتحليل نتائج الانتخابات. صحيح أن الديمقراطيين صارت لهم الأغلبية بمجلس النواب بينما ستظل الأغلبية في مجلس الشيوخ في يد الجمهوريين، إلا أن فارق الأصوات في طول البلاد وعرضها كان مليون صوت إضافي لصالح الديمقراطيين.

معنى كل ذلك أن النتائج لم تؤكد فقط على أن الانتخابات كانت استفتاءً على الرئاسة، وإنما كشفت في الوقت ذاته عن وجود مقاومة حقيقية للتيار الذي تمثله داخل المجتمع الأميركي.

لكن المجتمع الأميركي يظل منقسماً انقساماً حاداً، مثله مثل الكونغرس المنقسم الذي سيتولى الحكم في يناير المقبل. وهو ما يحمل في ذاته مفارقة لا تقل دلالة على كل ذلك.

فرغم أن الناخبين يرفضون الاستقطاب السياسي الحاد في واشنطن، ويطالبون السياسيين بالعمل العابر للأحزاب، يبدو أن المجتمع المنقسم على ذاته قرر في نهاية الأمر توزيع السلطة بين الحزبين لئلا ينفرد أحدهما بها.

* د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية المساعد، متخصصة بالنظام السياسي الأميركي.

المصدر: البيان – دبي

 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة