مشهد مؤلم، وأسئلة حائرة لخطيبة جمال خاشقجي

الشاعر ع13 أكتوبر 2018آخر تحديث :
مشهد مؤلم لخطيبة خاشقجى

في رثاء الضمير العربي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبدالجواد خفاجي
مشهد مؤلم : خطيبة جمال خاشقجي قابعة تحت حائظ القنصلية السعودية بإسطنبول، في وجوم وذهول، منكمشة، منكسة الرأس، تبتهل إلى الله، وفي يديها ثلاث هواتف، تصارع اللحظة الخطرة المضطربة، وهي تحاول السيطرة ـ رغم ذلك ـ على مشاعر مختلطة عاصفة، وهواجس مزعجة.. تتصل بالعالم كي يفعل شيئاً لإيقاف الغشم العربي عن إزهاق روح حبيبها.. سبع ساعات كاملة تناست نفسها تحت الحائط، ولم يعد لها غير أمل ضئيل في خروج الرجل الذي تحبه، الذي سلمها هواتفه ودخل من بوابة مريبة ليحصل على ورقة تتيح لهما الارتباط في علاقة شرعية، يرتضيها الله والناس.
أمل ضئيل في أن يرد أحد على اتصالاتها، ويأتي من يتدارك الموقف، ينتشلها من مشاعرها المختلطة، ويوقف هاجس الخوف على مصير الرجل الذي يحبها، ويدخل إلى القنصلية، يتدارك الموقف، لترى حبيبها حيا، يخرج من القنصلية، يكلمها، يعيد يده إلى يدها في صمت، ويمضيان إلى جلسة طويلة، يتناولان فيه طعامهما، ويحكي لها كيف أن اتصالاتها ودعواتها أسفرت عن إنقاذ حياته. يشكرها، يعتذر لها عن الغشم العربي، وعما سببه لها من فزع وإرهاق، ويمضيان إلى حياة من الطمأنينة والحب والرضا، ويتناسيان الموقف العصيب.. ثم ينتهي الموقف إلى فاجعة اختفاء حبيبها وراء مصير مجهول.. توسلاتها إلى رئيس بلادها، أن يجتهد في البحث عن حبيبها، على أمل أن ينقذ حياته، كي يسعد قلبها.. الحب، سعادة القلب، دفء المشاعر، مطالب الروح، الحياة الحميمية، عناق الحياة، الحرية.. للأسف، كلها معانِ ساقطة من قاموس الأنظمة العربية المهمومة بأسر الإنسان والروح والمشاعر والحياة !!
موقف لا أتمناه لامرأة أو فتاة فوق الأرض.. مشهد كلما وقعت عليه عيناي تفيضان .. ليس لأن المشهد مؤلم فحسب، ولكن لأني ـ أيضاً ـ لا أجد إجابة عن أسئلتي الحائرة المتعاظمة التي توقعني في حصار خانق مع مستحيلات الواقع العربي السياسي المستبد.. نعم مستبد، ليس بالحياة السياسية فقط، بل بالحياة على إطلاقها، بما فيها حياتنا العاطفية .. الواقع السياسي الذي يلون وجه حياتنا بالسواد، والغشم، والكآبة، والحرمان، والذل، والخوف والفزع، والفقر، والاستبداد.
إلى أي مدى نحن ـ أمام العالم ـ إرهابيون ومتخلفون ودمويون، ودكتاتوريون، وكارهون لأنفسنا وللحياة؟.. إلى أي مدى نحن أعداء الحب، والحرية، والإنسانية، والرأي، والعقل، والمشاعر النبيلة؟.
إلى أي مدى سيظل النظام السياسي العربي يحتكر حياة الجماهير، ومشاعرها، ورأيها وملكاتها الإنسانية، ويتحكم في مصائرها؟ .. إلى متى سنظل نطارد بعضنا فوق الأرض الواسعة، ونخطط للموت وإراقة الدماء؟.. إلى متى سنظل نفخخ الحياة، ونزرع الشر، ونتسلى بالموت، ونلهو بالأرواح؟!.. إلى متى سنبقى مصرين على إزعاج العالم بقرفنا وضمائرنا الخربة وجوهنا الكالحة، وغشمنا، وغباوتنا؟!.
إلى متى ستهتم الأنظمة السياسية بتشكيل مؤسسات للتعذيب، والقمع، والقتل، وإنشاء فرق للموت والاغتيالات والخطف وإزهاق الأرواح؟.. إلى متى سينفق المال العربي على الموت ولا ينفق على الحياة، والحب والعلم والتكنولوجيا وتحقيق الرفاهية والسلام الاجتماعي، وخلق صلات حميمة مع العالم؟!.
ألم يكن من الأجدى أن نعيش مثل البشر ونتعلم كيف نتخلى عن بهيميتنا وغشمنا، وبداوتنا وجلافتنا؛ لنعيش الحياة؟!.. ألم يكن من الأجدى أن نتخلى عن فضائحنا أمام العالم، ونتخلى عن عنادنا، وعن غباوتنا وعن إنفاق مال العرب في تصفية دماء العرب؟!.
ألم يكن من الأجدى أن نترك الرأي للرأي، والحرية للحرية، والعقل للعقل، ونمضي في هذه الحياة نبلاء مسالمين هادئين نستقبل الصباحات بالرضا وحقن الدماء والسلام؟!.
ألم يكن من الأجدى أن نتراجع عن إزعاج العالم، ونترك جمال خاشقجي لحريته وحبه وقلمه ورأيه ومحبة العالم له، ونوفر على أنفسنا كل هذه الفضائح، والعنت وتشويه الإنسان العربي وثقافته وعقليته وحياته.؟!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة