لماذا يمتثل الولد للأب والبنت للأم؟

محمد كمال الشريف13 نوفمبر 2018آخر تحديث :
لماذا يمتثل الولد للأب والبنت للأم؟

لماذا يمتثل الولد للأب والبنت للأم؟

 

يولد الواحد منا ويأتي إلى هذا العالم لا يعلم شيئاً، وبالتدريج يشتد عوده، وتقوى حواسه، وينمو إدراكه، فيبدأ بتكوين فكرة عما حوله.

ويمر الطفل في سنواته الأولى بمرحلة يكون فيها ضعيفاً ومعتمداً على والديه اعتماداً كبيراً، فمنهما الغذاء إذا جاع، والماء إذا عطش، والدفء إذا برد، والأمن إذا خاف، والمعونة إذا عثر، منهما كل شيء، فهما إذاً قادران على كل شيء.

هكذا تبدو الأم والأب في نظر الطفل الصغير، قادرين على كل شيء… إنهما اكبر منه، وعليه إن ينظر إلى أعلى حتى يراهما… هما قويان يحملانه بسهولة فيرى العالم وهو على يديهما من منظور جديد… يرى من حوله أشياء غامضة مجهولة كثيرة، فيسأل والديه فيجيبانه.. أمي وأبي إذاً يعرفان كل شيء.. أليسا يقدمان لي كل ما احتاج إليه؟

أليسا يجيبان كل أسئلتي؟..

فتقول البنت في نفسها: ما أجمل أن أكون مثل أمي!

ويقول الصبي في نفسه: ما أجمل أن أكون مثل أبي!

وهكذا تتكون في ذهن الطفل صورة للرجل الأمثل هي صورة أبيه، وصورة للمرأة المثلى هي صورة أمه.. وتتولد الرغبة في أعماق نفس الصبي لأن يكبر حتى يكون مثل أبيه.. مثله في كل شيء.. وتتولد الرغبة في أعماق نفس البنت لتكون مثل أمها.. مثلها في كل شيء. عند ذلك يقولون في علم النفس: إن عملية نفسية اسمها الاستمثال، قد تمت في البنت، وفي الصبي.

البنت استمثلت أمها.

والصبي استمثل أباه.

أي: اتخذ كل منهما والده الذي من جنسه مثالاً له، فتراه مدفوعاً بشعوره ولا شعوره إلى أن يصوغ نفسه على مثاله ومنواله، ويبدأ ذلك في الطفولة برغبة البنت في تقليد أمها في كل شيء، في لبس ملابس أمها الكبيرة، أو المشاركة في عمل أمها في المطبخ، أو رعاية دميتها كما ترعى أمها أخاها الصغير، أو حتى استعمال أدوات الزينة كما تستعملها أمها .

كما يبدأ الأمر في الطفولة أيضا برغبة الصبي في تقليد أبيه في كل شيء، في ارتداء ملابسه، أو قيادة سيارته، أو في محاكاة مهنته إن كان قد اطلع عليها، أو في تدخين سيجارة، إن كان أبوه مدخناً! أو وضع الصابون على وجهه مثلما يفعل أبوه، عندما يحلق لحيته إن لم يكن ملتحياً.

وتتقدم السنون بالطفل ويكتشف أن والديه يعرفان الكثير لكنهما لا يعرفان كل شيء، ويكتشف أن والديه قادران على الكثير، لكنهما غير قادرين على كل شيء… ويبدأ الطفل في إدراك الواقع أكثر.

ويذهب الطفل إلى المدرسة، فيحتك ببالغين آخرين، من معلمين ومعلمات، ويبدأ بملاحظة صفات الكبار الآخرين، ومزاياهم، وملاحظة الفوارق بين المعلمة وأمه، وبين المعلم وأبيه.. عندها تهتز الصورة التي كونها الطفل عن (المرأة المثلى) التي كانت نسخة عن أمه، وتهتز الصورة التي كونها (عن الرجل الأمثل) التي كانت نسخة عن أبيه.

ونحن مفطورون على أن نحب لأنفسنا أحسن شيء، وأفضل شيء، وأمثل شيء.. فإذا ما لاحظ الطفل – صبياً كان أو بنتاً – صفة في معلمته ليست في أمه، وبدت هذه الصفة رائعة في نظره، فإنه دون شعور منه، يضيفها إلى صورة أمه التي في ذهنه لتصبح صورة (المرأة المثلى) في ذهنه، صورة أمه مضافاً إليها تلك الصفة التي أخذها من معلمته، أي: تبدأ تلك الصورة بالتعديل…

وهكذا كلما التقى الطفل بامرأة غير أمه، فيها مزية أو صفة أعجبته، هي ليست في أمه، عدّل في صورة (المرأة المثلى) التي في ذهنه بمقتضى ذلك .

ويحدث الشيء ذاته عندما يلتقي الطفل برجل غير أبيه (معلمه مثلاً) ويرى فيه صفات تعجبه لا يراها في أبيه فيحور، ويعدل في صورة (الرجل الأمثل) في ذهنه، فيضيف إلى صورة أبيه التي كانت النموذج قبل ذلك.

والبنت والصبي، كلاهما يكون صورة في ذهنه للمرأة المثلى، وللرجل الأمثل، المرأة المثلى بالنسبة للبنت هي ما تشتهي نفسها أن تكون عندما تكبر، والرجل الأمثل بالنسبة لها، هو الرجل الذي ستحلم بالزواج منه عندما تكبر.

وبالنسبة للصبي، فإن الرجل الأمثل هو ما يريد أن يكونه عندما يكبر، أما المرأة المثلى بالنسبة له، فهي التي سيحلم بالزواج منها، يوم يحلم بالزواج.

ومن جهة أخرى قد تحتوي صورة المرأة المثالية في ذهن الطفل على صفات رآها في رجل وقد تحتوي صورة الرجل المثالي في ذهنه على صفات رآها في امرأة فقد تستمثل البنت أباها في صفة أعجبتها فيه لم تجدها واضحة في أمها، فتدمج البنت هذه الصفة بصورة المرأة المثالية، التي تود أن تصبح مثلها، ومثال ذلك أن تعجب البنت بصفات أبيها القيادية في البيت، ودوره كآمر ناهٍ، بالمقارنة مع أمها التي ربما كانت شخصيتها ضعيفة، خضوعة، معتمدة على الآخرين.

وكذلك الحال بالنسبة للصبي، الذي قد يُعجب بصفة هي في أمه أوضح، فيدمج هذه الصفة في تصوره للرجل الأمثل، الذي يحلم أن يكون مثله يوماً ما، ومثال ذلك أن يعجبه من أمه أسلوبها الرحيم، ورعايتها له، بالمقارنة مع أبيه، الذي قد يكون قاسياً معه، لا يظهر له الحب والحنان.

لكن على ما يبدو، يكون اقتباس البنت لصفة من صفات أبيها، أو أي رجل آخر، وإضافتها إلى تصورها للمرأة المثلى، أصعب بكثير من اقتباس الصفات من أمها، أو من النساء الأخريات.. وكذلك يكون اقتباس الصبي لصفة من أمه أو من امرأة أخرى، أصعب بكثير من اقتباسه الصفات من أبيه أو من رجال آخرين.

موضوعات تهمك:

كنز من المعلومات في قسم بنون حول تربية الاطفال والمراهقين، بقلم المفكر الاسلامي استشاري الطب النفسي الدكتور محمد كمال شريفة ننصح كل أب وكل أم ان يطلعوا عليه الرابط هنا

كيف نجعل أبناءنا كما نحب أن يكونوا؟

كيف تسهل امتثال طفلك إليك؟

التقاليد البالية تعلم الخنوع والذل

هل تقاليدنا فعلا تقاليد اسلامية؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة