كيف تخرج الدولة السعودية من مأزقها التاريخي

الساعة 2517 أكتوبر 2018آخر تحديث :
كيف تخرج الدولة السعودية من مأزقها التاريخي

كيف تخرج الدولة السعودية من مأزقها التاريخي

  • الحكم السعودي في مأزق نتيجة تصرفات هوجاء وإخفاء خاشقجي ولا بد من اظهار الحقيقة رغم قسوتها.  
  • هل يكلف الملك سلمان أحد إخوانه برئاسة مجلس الوزراء وولاية العهد وتشكيل وزارة ومصالحة وطنية؟
  • ينبغي إزاحة المتسببين في أزمات سياسية واقتصادية وامنية من داخل الأسرة الحاكمة، فهل انتم فاعلون؟!

بقلم: محمد صالح المسفر

لا يوجد في الجزيرة العربية من الماء الى الماء، ومن مرتفعات جبال السروات جنوبا الى الصحراء الشمالية من يتمنى سقوط النظام السياسي في هذه البقعة التاريخية الهامة من العالم العربي الاسلامي، لكن في ذات الوقت لا يتمنى احد من الخلق في هذا الحيز الجغرافي ان يبقى سلوك النظام الساسي القائم اليوم كما هو.

والحق، أننا فرحنا وهللنا عندما تولى الملك سلمان آل سعود مقاليد الامور بعد وفاة اخيه الملك عبدالله في الثالث والعشرين من يناير 2015، وبدأ الملك سلمان بـ«ثورة إدارية» قبل ان يواري جسد الملك الراحل عبدالله الثرى.

البعض استقبل ما اسميته «ثورة الملك سلمان الادارية» بالفرحة والترحاب والبعض الاخر تحفظ على تلك التغييرات الدرامية المتسارعة ولكل وجهة نظر يدافع عنها بالحجة والمنطق .

(2)

في يونيو 2017 نصب الامير محمد بن سلمان وليا للعهد ضمن الثورة الادارية بعد إطاحة الملك سلمان بابن اخيه الامير محمد بن نايف من ولاية العهد وكل مناصبه دون ابداء الاسباب، وانقسم الخلق في الدولة السعودية بين متفائل ومتشائم بما في ذلك أفراد الاسرة المالكة.

الذين هم من مدرسة التشاؤم اليوم يثبتون للمتفائلين في حينه أنهم كانوا على خطأ بما يرون اليوم من حال الدولة السعودية الذي انقلب عليها العالم بما في ذلك فارض الجزية على المملكة السعودية الرئيس الامريكي ترامب.

ويتوعد الدولة السعودية بأقسى الاجراءات العقابية ان ثبت مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول .

يقول أصحاب مدرسة التشاؤم في تولي الامير محمد بن سلمان ولاية العهد ووزارة الدفاع ومناصب متعددة اخرى انه ساق البلاد الى بحر لجي من النزاعات والأزمات والصراعات الداخلية والخارجية.

في الداخل ألقى بأصحاب الرأي والعقل المعتدلين في غياهب السجون وكذلك قادة الفكر الديني الوسطيون، وألحق بهم كبار رجال الاعمال وامراء من افراد الاسرة الحاكمة في معتقل «ريتز كارلتون» تحت ذرائع مختلفة، ولم يسلم المواطن البسيط من الاذى.

فقد فُرضت عليه الضرائب والرسوم العالية على الخدمات وسحب المخصصات المالية ومن ثم ردها، كان ذلك عند اصحاب هذه المدرسة ارباكا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ولا احد يستطيع التنبؤ بما قد يحدث له في الغد.

على المستوى الخارجي، في عهد الامير محمد بن سلمان ولي العهد النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، استنزفت الادارة الامريكية (ابتزازا، جزية) الاموال النقدية بمليارات الدولارات مقابل «الحماية» كما قال بذلك الرئيس الامريكي ترامب.

وكان اخر ما قال الزعيم الامريكي ترامب ان هناك عقود تسلح بمبلغ 120 مليار دولار مع السعودية لتشغيل 450 الف عامل وسبقه ما يزيد على 100 مليار دولار عند زيارة ترامب للسعودية في صيف 2017.

يا للهول! اموال سعودية تقضي على البطالة في امريكا والبطالة تعم البلاد السعودية بنسبة تزيد عن 25% من القوى القادرة على العمل من الذكور، واكثر من نسبة 30% من البطالة بين النساء القادرات والمؤهلات للعمل، كما بذلت اموال في الغرب من اجل تشويه قطر واستعداء العالم ضدها وفشلت كل تلك الجهود.

كذلك دخلت السعودية حربا ضروسا في اليمن لا يلوح في الأفق أمل لانتصار العسكرية السعودية أو السياسة الخارجية في هذه الحرب رغم تفوق التسلح، أُدخلت الدولة في خصام مع مجموعة من الدول الغربية ذكرناها في مقال سابق.

وكان اخرها الازمة مع كندا إحدى الدول الصناعية الهامة وماليزيا ناهيك عن ايران وتركيا وحصار قطر الدولة الشقيقة الجارة التي ترتبط مع السعودية بالحسب والنسب بجانب الجوار الجغرافي!

ولم يقف الامر عند ذلك بل تعداه إلى (اعتقال) رئيس وزراء لبنان السيد الحريري وهو على رأس عمله وفرض عليه تقديم استقالته على الهواء مباشرة من الرياض. وهذا مخالف لكل قواعد الدبلوماسية، وتدخل المجتمع الدولي وفرض على القيادة السعودية تحرير الحريري من أي مضايقة أو قيود، وكان للحريري ما أراد .

(3)

في الثاني من اكتوبر الحالي اهتزت عواصم الشرق والغرب من اليابان مرورا بالصين وكوريا الجنوبية واستراليا ونيوزيلاند ناهيك عن الدول الغربية والامريكتين لجريمة شنيعة ارتكبت في القنصلية السعودية في إسطنبول بإخفاء أحد أبرز الصحفيين السعوديين، جمال خاشقجي، بطريقة أو أخرى.

وأدان العالم ذلك العمل اللا أخلاقي ضد إنسان بريء، وما برحت وكالات الانباء العالمية تتحدث عن هذه الجريمة حتى كتابة هذه السطور والكل يطالب الدولة السعودية باجراء تحقيق بالتعاون مع السلطات التركية لمعرفة اين خاشقجي بعد دخولة القنصلية السعودية.

لا جدال بأن الحكم في السعودية في مأزق نتيجة التصرفات السياسية انفة الذكر واخفاء خاشقجي ولا بد من إظهار الحقيقة رغم قسوتها والإدارة السياسية السعودية تمنعت طويلا عن السماح لفريق تحقيق تركي ولجنة مشتركة من دخول القنصلية مسرح الاختفاء، ومنزل القنصل الذي لا يبعد عن مقر مكاتب القنصلية اكثر من 500 متر.

(4)

في الممارسات السياسية عبر العالم عندما يتعرض النظام السياسي لأزمة كهذه الأزمة، فإن صانع القرار، الملك سلمان في هذه الحالة يتوجب عليه التدخل لحل فوري يعيد التوازن السياسي والاجتماعي والامني في الداخل ونزع فتيل الأزمة مع الخارج.

يكون ذلك بحل مجلس الوزراء والرئيس الفعلي والتنفيذي للمجلس هو الامير محمد بن سلمان ولي العهد، واعادة تنظيم الديوان الملكي برجال مشهود لهم بالنزاهة والوطنية.

ويكلف الملك سلمان احد اخوانه برئاسة مجلس الوزراء وولاية العهد وعليه ان يقوم بتشكيل وزارته واجراء مصالحة وطنية داخلية بإطلاق جميع معتقلي الرأي ورجال الأعمال وقادة الفكر الديني.

والعفو العام عن جميع اصحاب الرأي و معارضي النظام في الخارج الذين اتخذوا من الخارج مأوى لهم خوفا من بطش النظام بهم.

ورفع الحصار عن قطر ووقف الحرب في اليمن واجراء اصلاحات فورية في الداخل ومد يد الصداقة الى تركيا واعادة بناء مجلس التعاون الخليجي على اسس وطنية وحدوية لا عداوة بين الاعضاء ولا كراهية وبغضاء. الملك سلمان هو القادر على اخراج الدولة السعودية من محنتها الراهنة.

آخر الدعاء: اللهم ارزق الملك سلمان طول العمر ومده برجال صادقين ليتمكن من حل النزاعات والخلافات المتصاعدة لخدمة الأمة العربية والاسلامية.

واذكر الملك سلمان عندما اشتدت الأزمة في داخل العائلة الحاكمة في الرياض والجبهة الداخلية مطلع ستينات القرن الماضي ازاحت الاسرة الملك سعود وتولى ولي العهد الأمير فيصل مقاليد الحكم وبويع ملكا.

الأزمة الراهنة أشد من ازمة ستينات القرن الماضي، ولا يفهم من قولي اني اطلب ازاحة الملك لا سمح الله وانما المتسببين في خلق أزمات سياسية واقتصادية وامنية من داخل الاسرة الحاكمة، فهل انتم فاعلون؟

  • د. محمد صالح المسفر أستاذ العلوم السياسية بجامعة قطر.

المصدر: «الشرق» القطرية

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة