الشعب المصرى امتلك الحق فى أن يثور عندما يزداد قهر السلطة

أحمد عزت سليم31 يناير 2019آخر تحديث :
قهر السلطة

الشعب المصرى امتلك الحق فى أن يثور عندما يزداد قهر السلطة

 

المقال التاسع من سلسلة مقالات (المقاومة مقاومتنا)، لمطالعة المقال الأول، المقال الثاني، المقال الثالث، المقال الرابع، المقال الخامس، المقال السادس، المقال السابع، المقال الثامن.

لعبت السلطة بأدوارها المتعددة والمركبة والممتدة رأسيا وأفقيا داخل المجتمع المصرى أدوارا مؤثرة ومشكلة لفاعلياته وماهيته، وبما تمثله وتشكله من أنواع متداخلة وبما يصعب الفصل بينها، مابين السياسة والدين والفكر والاقتصاد والقوة العسكرية والاحتلال الأجنبى والسلطة الاجتماعية بمكوناتها المعقدة والمركبة، ومن خلال ممثليها أفرادا وجماعات وأنظمة مركبة ومتنوعة، وفوقية وتحتية.

وبما جعل سلطة الحكم تؤدى دورا فى أغلبه -إلا ماندر- على مر مراحل التاريخ يتمثل فى أدوار الطغاة والجبروت والإذلال وصياغة مستويات السلوك الفردى والجمعى والتحكم فى فاعلياتها وبالتالى التأثير فى تشكيل العقل الفردى والجمعى والوطنى وبما يحقق الخضوع للسلطة الحاكمة بداية من الحاكم /الملك / السلطان / الأمير / الوالى / الدولة / الحكومة / السياسى.

 

اقرأ/ي أيضا: ما التنوير.. عربيا؟

 

وإلى درجة سعى هذه السلطة الوصول للتقديسها والتعامل معها بكونها الحاكم الإله وكما فى التراث المتداول شعبيا من خلال “ألف وليلة ” فكلما دخل الملك إلى محل حكمه وجلس على سريره “ولى وعزل وأمر ونهى” وبقيام آلته القهرية مسرور السياف لتنفيذ أوامر القهر والطغيان.

ولقد مرت الحياة المصرية بكافة أنواع السلطة والحكم بداية من الحاكم/الملكة الإله المطلق الذى يمثل الإله ويدعى الإلوهية أو الذى يستمد سلطة من الإله، والأنظمة الفردية والتى لا قيمة فيها لرأى الشعب ومرتكنا إلى شرعية الوراثة الملكية أو إدعاءات المصلحة الوطنية أو الدينية وحيث يجمع الحاكم جميع الاختصاصات ويمارسها وحده أو من خلال جماعاته الخاضعة له  وهيمنة رجال الإقطاع والرأسمال على مقدارت الوطن ولأجل ذواتهم ولأجل رجال الحاكم وزوال مصلحة الوطن والشعب والفرد وحريته فى سبيل الحاكم وبدون رقابة وباستخدام طرق القهر والعنف.

 

اقرأ/ي أيضا: ابن سلمان.. لاعب الـ”جيمز” الفاشل

والأنظمة التى تدعى الديمقراطية وتؤسس لتمركز سلطات دستورية مطلقة للحاكم تمنع من مراقبته ومحاسبته وتؤسس لخضوع الوطن وأفراده له ولجماعاته وعلى اعتبار أنه وحده الذى يمثلهم وليتأسس الحكم على القوة السلطوية وبتفعيل كافة أجهزة القهر والسيطرة ومن أجل استمرارية سيادتهم وشرعيته وبأنظمة تؤسس لهذه الممارسات تحت مسميات الحكومة والبرلمان والوالى والأمير والعمدة والمحافظ والبكوات والبشوات وبما لهم من سيادة تتشكل من امتلاك سلطة استعمال القوة داخل حدودها وكممثلة للحاكم وامتلاك الحق أو السلطة في إصدار وتنفيذ الأحكام أو القوانين، وعلى الرغم مما يراه المتخصصون من ضرورة أن يتوافرعدة شروط لكي تقوم الدولة وتمارس سلطتها في الوطن، وهى:

-الأول: استمرار ممارسة السلطة، فالدولة لا تقوم إلا عندما تصبح مؤسستية وقانونية وهي سلطة دائمة لا تحتمل الفراغ

-الثاني: عندما ترتبط الدولة بالشأن العام فهي ليست ملكية خاصة، فإنها منفتحة على المجال العمومي الذي هو مجال مشترك بين أفراد المجتمع وهي ممارسة السلطة الدائمة داخل مجال عمومي، ينظم علاقات الناس، وكمايرى توماس هوبس أن غاية الدولة هي تحقيق السلم والأمن وكما يرى سبينوزا أن تأسيسها قائم على صيانة حقوق الأفراد وحرياتهم في العمل والتفكير والسلوك بعيدا عن الحقد والظلم والخداع،وأن الغاية الحقيقة هى تحقيق الحرية كمثال أعلى للدولة وكما يرى هيجل بانخراط الفرد ضمن الروح الاجتماعية الكلية والمطلقة والتى تمثل لحظة الوعى المطلق.

 

اقرأ/ي أيضا: لا ديمقراطية ولا حريات في خطاب الغرب حيالنا.. لماذا؟

-الثالث: أن تقوم الدولة الحديثة على الفصل بين هذه السلطات تجنبا لطغيان سلطة الدولة وحماية لحقوق المواطنين وحرياتهم.

فإن المجتمع المصرى لم يشهد تكامل تحقق هذه الشروط  وبكلية مجتمعية وطنية وفى آن واحد وعلى الرغم من قسوة هذه الحقيقة فإن الشعب المصرى امتلك الحق فى أن يثور عندما يزداد قهر السلطة -وبكل تنوعاتها ومراحلها التاريخية- فلايجد قوت يومه ولا يستطيع أن يعيش كما ينبغي له أن يكون.

وكما يرى فوكو -من منظور بنيوي- أن سلطة الدولة لا يمكن حصرها في مجموعة من الأجهزة لأن السلطة علاقات هيمنة تمتد في كل الجسم المجتمعي، ومن هذا المنطلق البنيوى فإن أجهزة السلطة لاتتمثل فى سيادة الدول بمستوياتها الرأسية والأفقية وأدواتها وممثليها ولا تقتصر فقط عليها وإنما تتحكم في فاعلياتها وآلياتها القوى الاجتماعية القائمة بما تحتويه من علاقات مستترة وظاهرة وقوى عائلية وقرائبية وقبائلية وجمعية وقوة العادات والتقاليد والقيم والأعرف وقوى اقتصادية رأسمالية ومصالح متنوعة ومركبة.

 

اقرأ/ي أيضا: النظام العربي الإقليمي.. كنت شاهدا

ومهما بدى من قوة سيطرة الدولة فإن الشعب المصرى وعلى الرغم من قوة هذه العلاقات وخضوعها فى أحيانا كثيرة لسيادة الدولة، استطاع ومن خلال ممارساته المعيشية اليومية والعشوأئية أو المستهدفة أن يكسر هذه السيادة واستبداديتها وبأشكال مباشرة وغير مباشرة وأن ينحى الحاكم /الملك / السلطان / الأمير / الوالى / الدولة / الحكومة / السايسى جانبا وليتحرر منهم، ولم تستطع السلطة القهرية الاستبدادية على مر التاريخ المصرى أن تجعل المصرى بشكل كلى يسير تحت إرادتها وينخضع لها كلية وبشكل شامل، وحتى ولو أدى ذلك إلى التخلص منها ولو بالانتحار من كثرة يأسه مما يعانيه من الاستبداد والقهر وكما يتجلى فى تساؤل إيبور الحكيم فى الفترة الفرعونية: لماذا تمكث التماسيح طويلا تحت الماء؟ ويجيب إيبور: من كثرة قيام المصريين بإلقاء أنفسهم فى النهر من اليأس.

وعلى الرغم من أنه لم يكن نموذج السياسى المصرى عامة ومن خلال التاريخ المصرى خارجا عن فاعليات السلطة والدولة وآلياتها الاستبدادية والمساهمة فى إخضاع الجماهير والتأثير عليها لصالح السلطة، والتخفى تحت المسميات الحزبية والقوى السياسية من منطلق الهيمنة والسيطرة على المواطنين لصالح أنظمة الحكم.

فقد استطاع العديد من السياسيين المصريين القيام والمشاركة فى مقاومة استبدادية السلطة والمشاركة فى توعية الشعب ومع مقدرة الشعب المصرى على كشف زيف هؤلاء الساسة ورغم الإدعاءات بأن الشعب المصرى ليس لديه الوعى فى كشف هؤلاء وفى كشف خداعهم، ولم تكن ثورة 25 يناير إلا نموذجا قويا للثورة على السياسى المتسلط والسياسى المنافق الخاضع للسلطة وللنظام القهرى والمتمثل فى الثورة على سياسى الحزب الوطنى.

 

اقرأ/ي أيضا: السلطة الدينيّة أعلى..

 

وكما تمثل نماذج المقاطعة الشعبية للإنتخابات والاستفتاءات وفاعليات المشاركة السياسية داخل المجتمع ورفض الانضمام للأحزاب السياسية وما تمثله من خضوع واستكانة وفساد وضعف وتفكك وصراع، نوعا من الرفض والاحتجاج والمقاومة الشعبية للأنظمة الديكتاتورية وآلياتها ورفضا للنخب السياسية وللسياسى الذى يمثلها.

وكما تمثل عمليات المشاركة الشعبية فى مقاومة السلطة كافة أنواع المبالاة الشعبية للحاكم وممارساته وأجهزته وآلياتها وكما تمثل عدم الثقة الشعبية فى نزاهة فاعليات الحكومة والدولة وشرعيتها والحياة السياسية وعدم تمثيلها لطموحاته وآماله ومصالحه، كما يعزف المواطن عن المشاركة فى مؤسسات المجتمع المدنى تعبيرا عن عدم استطاعة مؤسسات هذا المجتمع تحقيق الحماية للمواطنين ضد القهر السلطوى واقتصار فوائدها على مجموعات مصالح بعينها ومع تعامل البعض منها مع القوى الخارجية وتحت إدعاءات تنمية المجتمع والدفاع عن الحريات ومساعدة الفقراء.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة