غموض السياسة الأمريكية

محرر الرأي6 فبراير 2019آخر تحديث :
غموض السياسة الأمريكية

غموض السياسة الأمريكية

  • هل تنطبق مقولة «إن لم تكن لديك سياسة محددة تجاه قضية ما، إلقِ حولها خطبة» على السياسة الأمريكية اليوم؟
  • بينما أكد بومبيو على أن بلاده «قوة خير» تبني «التحالفات»، أكد مايك بنس على «أمريكا أولاً» الذي لم يرِد مطلقا في خطاب بومبيو بالقاهرة.

 

بقلم: منار الشوربجي

من مفارقات السياسة الخارجية الأمريكية في عهد ترامب أن تصريحات كبار المسؤولين بإدارته تزيدها غموضاً بدلاً من أن تلقي الضوء على أبعادها. خذ مثلاً السياسة الأمريكية تجاه سوريا، بل والموقف من النظام الدولي عموماً.

خلال أسبوعين فقط، حملت تصريحات عدد من المسؤولين الأمريكيين، كان آخرهم نائب الرئيس، مايك بنس، تناقضات زادت الموقف غموضاً، لا العكس. البداية كانت بتصريح ترامب الذي أعلن فيه، بشكل مفاجئ، انسحاب القوات الأمريكية من سوريا.

وهو التصريح الذي أعلن فيه صراحة هزيمة داعش، مؤكداً على أن توقيت الانسحاب هو «الآن». والتصريح كان مفاجأة للأطراف المختلفة بالمنطقة بل ولمستشاري الرئيس ومساعديه، الذين سارعوا بالتأكيد مشروطية ذلك الانسحاب.

اقرأ/ي أيضا: هل زيارة البابا للإمارات هي استمرار لأساسيات وسياسات الحروب الصليبية الغربية؟

 

فطار جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي، مصرحاً بأن الانسحاب الأمريكي لن يحدث «إلا بعد هزيمة داعش»، ومشروطا بالتزام تركيا بعدم المساس بالأكراد. وهو الذي مثل تناقضاً صارخاً مع إعلان ترامب أن داعش «انهزمت» أصلاً.

وقد تبعت زيارة بولتون للمنطقة زيارة قام بها وزير الخارجية صرح خلالها بأن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا لا يمثل «تغييراً في المهمة. فلا زلنا ملتزمين بالهزيمة الكاملة لداعش» مؤكداً أن المقصود من هزيمة داعش هو «تهديد داعش».

وهو مفهوم يظل أوسع بكثير، في تقديري، من مجرد الهزيمة العسكرية في مواقع بعينها على الأرض السورية. لكن وزير الخارجية الأمريكي شرح الطريقة التي تنوي بها الولايات المتحدة تحقيق ذلك الهدف. فهو أشار لتنفيذ الولايات المتحدة لتلك المهمة عبر الضربات الجوية بينما يتولى حلفاؤها بالمنطقة دوراً أكبر في المواجهة العسكرية.

وقد مثلت تلك التصريحات كلها تراجعاً منظماً عن إعلان ترامب عن الانسحاب الفوري يضيف المزيد من الغموض للصورة إلى أن أكد ترامب بنفسه لاحقاً ما جاء على لسان مرؤوسيه بقوله «لم أقل أبداً أننا سنخرج بهذه السرعة»، مؤكداً على أن الولايات المتحدة باقية حتى هزيمة داعش. إلى هنا، بدا الأمر وكأن تصريح ترامب في ديسمبر قد تم التراجع عنه وانتهى الأمر.

 

اقرأ/ي أيضا: تنظيم «الدولة» في تقويمات أميركية متناقضة

 

لكن تصريحات نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، الأسبوع الماضي عادت لتضفي الغموض من جديد على الموقف الأمريكي.
فبعد ساعات قليلة من الحادث الإرهابي الذي وقع في مدينة منبج السورية، والذي أعلنت داعش مسؤوليتها عنه، كان نائب الرئيس الأمريكي يلقي كلمة في مؤتمر للدبلوماسيين بوزارة الخارجية الأمريكية. لكن مايك بنس لم يذكر في كلمته الحادث الإرهابي بكلمة، وإنما عاد ليؤكد من جديد أن «داعش قد انهزمت» في سوريا.

لكن خطاب مايك بنس زاد أيضاً الغموض المحيط بمجمل السياسة الخارجية الأمريكية، عندما ناقض مفاهيم أساسية أكد عليها بومبيو خلال زيارته الأخيرة للشرق الأوسط.

فبينما أكد بومبيو على أن الولايات المتحدة «قوة خير» تقوم «ببناء التحالفات»، أكد مايك بنس على مفهوم «أمريكا أولاً»، والذي لم يأت ذكره على الإطلاق في خطاب بومبيو الذي ألقاه في القاهرة، ويمثل تناقضاً جوهرياً مع بناء التحالفات، والدور النشط لأمريكا الذي كان في الحقيقة هو عنوان رسالة وزير الخارجية إلى المنطقة.

 

اقرأ/ي أيضا: الاستثناء الأمريكى المزدوج

وكان لافتاً أيضا في خطاب نائب الرئيس الأمريكي العودة لاستخدام تعبير «الدول المارقة»، التي ضمت عنده، إيران وكوريا لجانب دول بأمريكا اللاتينية. مايك بنس قال إن بلاده «تواجه زمرة ذئاب من الدول المارقة» التي لا يجمع بينها أيديولوجية أو هدف واحد وإنما «تسعى لتقويض النظام الدولي الذي حافظت عليه الولايات المتحدة لأكثر من خمسين عاماً».

وتلك الدول المارقة، عند بنس، هي إيران وكوريا الشمالية، وكوبا وفنزويلا ونيكاراغوا. وفي حين اعترف بنس في خطابه بأن الولايات المتحدة لم تفلح حتى الآن في دفع كوريا الشمالية للتخلي عن سلاحها النووي فإن لم يطرح تصوراً موحداً ولا حتى واضحاً للتعامل مع ما أسماه بالدول المارقة.

غير أن تعريف مايك بنس للدول المارقة حمل هو الآخر تناقضاً يزيد من غموض السياسة الخارجية الأمريكية. فتعريفه للدول المارقة بأنها تلك التي «تسعى لتقويض النظام الدولي»، يعني اهتماماً بالحفاظ على ذلك النظام.

 

اقرأ/ي أيضا: ماذا لو كان ترامب عميلًا روسيًا؟

وهو ما يتناقض جوهرياً مع تأكيد بنس في خطابه على مفهوم «أمريكا أولاً» وثنائه على سياسة ترامب الخارجية القائمة عليه. فمن خلال مبدأ «أمريكا أولاً» تم اتخاذ مواقف دولية خصوصاً مع حلفاء أمريكا الأوروبيين تمثل في ذاتها تقويضاً لذلك النظام الدولي نفسه، بما في ذلك الموقف من المعاهدات مع الروس والتهديد بالانسحاب من حلف الأطلنطي، فضلاً عن الحرب التجارية التي شملت اليابان وكندا وعدداً من دول أوروبا الغربية.

الحقيقة أن الغموض الناتج عن تصريحات المسؤولين الأمريكيين ذكرني بمقولة منسوبة لهنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، قال فيها «إن لم تكن لديك سياسة محددة تجاه قضية ما، إلق في شأنها خطبة». فهل مقولة كيسنجر تنطبق على سياسة بلاده الخارجية اليوم؟

* د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية المساعد ومختصة بالنظام السياسي الأمريكي.

المصدر: البيان – دبي

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة