عيد مولد النبي محمد .. وماذا عن النبي موسى؟

مالك عبدالقادر جيلاني28 نوفمبر 2017آخر تحديث :
عيد مولد النبي محمد

عيد مولد النبي محمد .. وماذا عن النبي موسى؟

هذا المقال مترجم، والمادة الأصلية نشرت لأول مرة في صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية,,

في اليوم الّذي وُلد فيه، مليار ونصف يؤمنون بإله واحد: يحتفلون هذا الأسبوع بمناسبة عيد المولد النّبويّ، هذا النّبيّ الّذي هو أيضا نمط للمسيح الحائز على قداسة شخصيّة مُذهلة.

حاز مثلها أيضًا بالتّمام بوذا ويسوع، في حين قام اليهود بعمل كُلّ ما هو ممكُن لأجل إخفاء نبيّها الأعظم!
“مولد النّبيّ”، أو عيد مولد النّبيّ مُحمّد (بمكّة، عام 570م)، يتمّ الاحتفال به هذا الأسبوع في جميع أنحاء العالم الإسلامي. وبالرّغم من العداء طويل الأمد ،فإنّ دين الإسلام هو الأقرب إلى اليهوديّة، يكوّنون حوالي مليار ونصف مليار شخص يؤمنون بإله واحد.

وأيضًا يربط الإسلام بين النّبيّ مُحمّد إلى إسماعيل، ويرى في نفسه على استمرارًا في طريق ثورة إبراهيم ودعوته التّوحيديّة، أي وجهة نظر “ملكوت الله” في الأرض، لأجل ذلك يفترض أن يكون عيد مولد النّبيّ مُحمّد عيدًا تاريخيًّا لكُلّ يهوديٍّ أيضًا.
لكن الاحتفالات في العالم الإسلاميّ تُثير سؤالًا لا مفرّ منه: لدى المسلمين النّبيّ مُحمّد، ولدينا النّبيّ موسى. كيف لا نحتفل بعيد مولده؟ أو لنقل: بشكل عامّ، لماذا لا يوجد عيد يهوديّ لرفع ذكر النّبيّ موسى كما لهم؟

هكذا يبدو النّبيّ مُحمّد، وهكذا لا يبدو النّبيّ موسى

أوّلًا، من الواضح أنّ التّناخ (الكتاب المُقدّس) نهى بكُلّ مُمكن لأجل اقتلاع القداسة الشّخصيّة للنّبيّ موسى، هذه القداسة الموجودة حول الشّخصيّات الرّئيسة في الأديان الأخرى.

بالرّغم من أنّ التّناخ مليء بالتّواريخ والأحداث، لا يوجد فيه ولو تلميحًا تاريخ مولد النّبيّ العبريّ الأعظم؛ وبالتّالي لا يمكن الاحتفال بعيد مولده كما هو الحال بالنّسبة للأنبياء مُحمّد، يسوع، بوذا، وغيرهم.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ المِقْرأ (التّوراة-قسم من التّناخ) يُسلّط الضّوء على خطورة مسألة “خطيئة العجل”، النّابع حصرًا من خوف الإرتداد الفرديّ: “لأنَّ هَذَا مُوسَى الرَّجُلَ الَّذِي أصْعَدَنَا مِنْ أرْضِ مِصْرَ لا نَعْلَمُ مَاذَا أصَابَهُ” (سفر الخروج، الإصحاح 32، الآية 23)، وفي النّهاية، عندما وفاة النّبيّ موسى، تمّ نقله إلى مكان سرّيّ: “وَلمْ يَعْرِفْ إِنْسَانٌ قَبْرَهُ إِلى هَذَا اليَوْمِ.” (سفر التّثنية، الإصحاح 34، الآية 6). وبانعدام ذكر مكان قبره، لا يمكن تحويل هذا المكان الافتراضيّ إلى موقع مُقدّس مثل المسجد على قبر النّبيّ مُحمّد في المدينة، أو مثل كنيسة قبر يسوع (القيامة) في القدس.

علاوة على ذلك، أحد أقدم المصادر الإسلاميّة (ابن سعد، الطّبقات) يُفصّل في أوصاف النّبيّ مُحمّد: مُتوسّط طوله، شعره الأسود، كبر رأسه، ورموشه الطّويلة، وحتّى خطّ عمود شعر من أعلى صدره إلى سرّته. وعلى النّقيض، كتاب التّناخ يُخفي عنّا، عن عمد، أوصاف النّبيّ موسى الجسمانيّة: “لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ انَّ جِلْدَ وَجْهِهِ صَارَ يَلْمَعُ مِنْ كَلامِ الرَّبِّ مَعَهُ… وَلَمَّا فَرَغَ مُوسَى مِنَ الْكَلامِ مَعَهُمْ جَعَلَ عَلَى وَجْهِهِ بُرْقُعا” (سفر الخروج، الإصحاح 34، الآيتين 33،29). وهي أيضًا وسيلة أخرىمن أجل منع إمكانيّة مستقبليّة لتقديس شخصيّته، لأنّه لا توجد إمكانيّة حتّى لرسم النّبيّ موسى وتصويره.

لكن فوق كُلّ شيء، الأمر الرّئيس الّذي يمنع -في الواقع- تقديس الشّخصيّات في الدّيانة اليهوديّة هو اللّامركزيّة. بالرّغم من أنّ النّبيّ موسى هو المُؤسّس الفعليّ للدّيانة، والتّوراة أصلًا هي “شريعة موسى” (مصطلح منذ أيّام خراب الهيكل الثّاني)، فإنّ المقرأ (التّوراة) يُشدّد على توزيع هذا الحمل بين النّبيّ موسى وبين آبائه وأجداده. وإذا كان هذا لا يكفي، فإنّ الآباء المؤسّين هُم أنفسهم ثلاثة، لكي تنعدم إمكانيّة تقديس أيّ أحد منهم، وهكذا تقنّن التّوراة أحوال العبادة المتمحّضة لله فقط، غير مارّة بتقديس أو عبادة أيّ إنسان.

مُحمّد – مسيح أم نبيّ؟
بوذا غواتما هو مثال جيد على خطر تقديس الشّخصيّات حّتى في صورة “المُعلّم” الرّوحانيّ الّذي ليس بإله. ففي غضون ما يقرب لـ 700 سنة، كانت البوذيّة القديمة حريصة على عدم تصويرالتّماثيل والأقنعة. وبالرّغم (أو بسبب) منحوتات الآلهة المعبودة من حولهم، تجنّب البوذيّون نحت تمثال لبوذا، واكتفوا برموز له كدعسات قدميه مثلًا.
أقدم تماثيل بوذا، من القرن الثّاني الميلاديّ، تُظهره يرتدي قناعًا يونانيًّا – لأنّ نحتها كان بتأثير مُباشر للغزو اليونانيّ لشمال الهند. ومع ذلك، فإنّ تقديس الشّخصيّات الّذي كان موجودا من قديم حول بوذا أدّى إلى نقل هذا التّغيير لبقيّة العالم، حتّى أنّه لا نكاد نتصوّر أو نتخيّل عبادة البوذيّين دون تماثيل بوذا وهم من حولها.
ولأجل عدم الخلط، بالنّسبة لكثير من المسلمين، فإنّ مُحمّدًا هو أكثر بكثير من نبيّ، بل هو الأفضل والأعظم والخاتم. بالنّسبة لهم، العالم كُلّه لم يكن ليوجد كاليوم الّذي وُلد في النّبيّ مُحمّد، وأنّه لا يزال واسطة ووسيلة باطنيّة بين الإنسانيّة وبين الله.
{ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ}، هكذا يقول القرآن في سورة لقمان 31، الآية 28، وبالفهم الإشاريّ الباطنيّ فإنّ المقصود بـ”النّفس الواحدة” هُو النّبيّ مُحمّد، الإنسان الكامل. بالنّسبة للمسلمين فإنّه قد كان بالفعل نبيًّا -وذكر الله اسمه- في الوقت الّذي كان فيه آدم -الإنسان الأوّل- “بين الماء والتّراب”.
أمّا بالنّسبة للجماعات الصّوفيّة، على سبيل المثال، فإنّ للمؤمنين فيهم اتصّالًا بالنّبيّ مُحمّد إلى يومنا هذا. وفي الحقيقة فإنّه من الأنسب التّعامل في الإسلام مع النّبيّ مُحمّد على كونه “المسيح” بدلا من أن يكون نبيًّا.

يوم الممات خير من يوم الولادة

في اليهوديّة المُعاصرة هناك “حفل هيلولا” (موسم هيلولا، تسابيح) في السّابع من شهر آذار العبريّ، وهو تاريخ وفاة النّبيّ موسى (وأيضًا تاريخ مولده)، وفقًا التّقاليد اليهوديّة. هذا مثال على التّقليد الّذي تطوّر في زمن المنفى القصريّ لليهود في العصور القديمة، الحفل الأكثر شهرة في ذلك هو حفل الحاخام شمعون بن الحاخام يوحاي في جبل ميرون (جبل الجرمق، الجليل، شمال فلسطين).
أوّل ذكر لهذا النّوع الطّقوس، إحياء ذكرى وفاة الصّدّيقين والصالحين، في أوروبا في العصور الوُسطى، ولكن يدور الحديث حول اجتماع الحاخامات حول القبر لأجل دراسة تعاليم فقه ومذهب المُتوفّى، ولم يكن هناك اعتبار لعيد أو “حفل هيلولا” بالتّأكيد، ويمكن للمرء أن يفترض أنّ هذه الاحتفالات دخيلة على ثقافتنا تحت تأثير الدّيانات الأخرى. ولكن يبقى اختلافٌ طيّبٌ يُذكر: في حين أنّ الآخرين من الدّيانات الأخرى يحتفلون بأعياد الميلاد والمولد، فإنّ اليهود كانوا حذرين فالاحتفال يكون فقط بذكرى الوفاة.
مكتوب في سفر الجامعة عن الإنسان: “يَوْمُ الْمَمَاتِ خَيْرٌ مِنْ يَوْمِ الْوِلاَدَةِ” (الإصحاح 7، الآية 1).، وفي الواقع لا يُعبّر هذا عن اليأس من الحياة، ولكنّه يعني العكس تمامًا: إذا كُنّا محتفلين بالفعل، فلنحتفل بتاريخ الوفاة، لكي لا يُبرّر الاحتفال على قيام ووجود الشّخص أو الصّدّيق المُحتفى به، لأنّه في اليهودية لا أحد مخلوق من “طين” وينزل من رحم أمّه وعلى رأسه ريشة، ولكن حساب كُلّ شخص بحسب أعماله في الدُّنيا، ونتائج اختياراته وإرادته الحُرّة فقط.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة