تطبيع التطبيع !

محمود زين الدين12 نوفمبر 2018آخر تحديث :
تطبيع التطبيع !

تطبيع التطبيع !

  • كلما تفاقمت الخلافات العربية العربية هرعت الحكومات نحو تل أبيب
  • واشنطن تضع التطبيع مع الكيان أساساً لأي دعم سياسي تقدمه لصالح هذا الطرف العربي أو ذاك.
  • التطبيع اليوم لن يحقق مكاسب بعيدة المدى للدول التي تقوم به فدعم واشنطن الناتج عن التطبيع لا يدوم.
  • التطبيع يفاقم تفكك العرب وخضوعهم للغرب وخسارة مقدساتهم.
  • دورنا كشعوب رفع تكلفة التطبيع باستمرار رفضه دون كلل.

بقلم: ماجد الأنصاري

خلال العقود الأخيرة كلما تفاقمت الخلافات العربية العربية تحصل ظاهرة عجيبة، عوض السعي لحل خلافاتهم تهرع الحكومات العربية نحو تل أبيب والتطبيع المجاني مع الكيان الصهيوني، طبعاً ليس حباً في الكيان حصرا.

لكن طلباً لود واشنطن التي تضع التطبيع مع الكيان أساساً لأي دعم سياسي تقدمه لصالح هذا الطرف أو ذاك.

الصهاينة من ناحيتهم يحققون أهدافهم في تجاوز الحواجز مع جيرانهم واختراق الصف العربي أكثر، وفي النهاية لا يحصل المطبعون على الدعم الذي يريدون ولا يحافظون على موقفهم الأخلاقي.

أزمات اليوم ليست بعيدة عن هذا الواقع فها نحن نشهد السلام الوطني الصهيوني يعزف في عواصم المنطقة وعلمهم يرفع في محافلها ووفودهم تشارك في مؤتمراتها وحتى رئيس وزراء الكيان تمر طائرته عبر أجواء المنطقة بسلام لتحط في إحدى مطاراتها بينما يمنع الأشقاء طائرات أشقائهم من مجرد التحليق عبر أجوائهم!

ولكن المقلق بالنسبة لي ليس التطبيع الرسمي فعلى مر السنين سقطت ورقة التوت عن الجميع، ما يثير القلق هو هذا الاتجاه الجديد الذي بدأ يكتسب زخماً يبرر للتطبيع أو لا يجد فيه مشكلة حقيقية، تارةً بدعوى إبعاد الرياضة والثقافة والفن والتعليم والاقتصاد عن السياسة! وتارة عبر نبرة وطنية ضيقة تتبرأ من المسؤولية تجاه القضية الفلسطينية.

في ظل تصاعد نبرة الخطاب الوطني الضيق على حساب الخطاب الإسلامي أو القومي تختفي تدريجياً قضايا الأمة المصيرية لصالح محاربة طواحين الهواء في خلافات الأشقاء.

ولا شك أن الأزمات التي تعصف بالمنطقة ليست بالبسيطة وتدفع بالتأكيد الاهتمام نحوها لعظمها ولكنها لا يجب أن تجعل من القضية المركزية لهذه الأمة والتي تمثل انتهاكاً لمقدساتها والاحتلال الأطول في تاريخ المنطقة أمراً جانبياً هامشياً يمكن المساومة عليه.

حتى لو تبنينا خطاب الواقعية السياسية الذي لا يجد مكاناً للقيم في العلاقات الدولية. فالتطبيع الذي يحصل اليوم لن يحقق أي مكاسب بعيدة المدى للدول التي تقوم به، الدعم من واشنطن الناتج عن التطبيع لا يكون دائماً.

ورأينا كيف نفضت واشنطن يدها من حليف مثل مبارك سريعاً رغم انغماسه في خدمة المصالح الإسرائيلية، ولا اللوبي الصهيوني العالمي مستعد لتقديم خدمات استراتيجية للمطبعين.

وقد رأينا ما صرف خليجياً على ذلك في واشنطن وكيف لم يحقق ذلك نقلة حقيقية في المواقف لا في البيت الأبيض ولا في بيوت القرار الأخرى عالمياً.

في المقابل يمثل الموقف الصلب مع الكيان بطاقة تفاوضية رابحة، حين كانت المواقف متشددة من التطبيع كان الكيان ناعماً في دعواته للتطبيع بينما يتبجح اليوم بالممارسات التطبيعية ويعلنها انتصاراً يفقد العرب قدرتهم التفاوضية باستخدام ملف العلاقة مع تل أبيب.

ما يجري اليوم هو باختصار تطبيع التطبيع، بعد أن كانت أي ممارسة تطبيعية خبراً رئيسياً في نشرات الأخبار وسبباً في حراك سياسي شامل أصبحت تمر نفس الممارسات اليوم بهدوء، ربما أثارت بعض الضجة على وسائل الاتصال، وربما استخدمت في المناكفات السياسية بين أطراف النزاعات العربية.

هذا التطبيع لن يأخذنا إلا باتجاه واحد: مزيد من التفكك، مزيد من الاتكالية على الغرب، وخسارة لمقدساتنا!

دورنا كشعوب هو في رفع تكلفة التطبيع عبر الاستمرار في رفضه دون كلل، يجب أن نكون خط الدفاع الأخير حتى لصالح صانع القرار الذي يواجه ضغطاً ليطبع، فنحن راحلون والقضية باقية.

* د. ماجد محمد الأنصاري أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة قطر.

المصدر: الشرق القطرية

اقرأ ايضاً : التطبيع مع إسرائيل والصهيونية : نقاش ورؤية

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة