«بريكست» واللاسامية والإسلاموفوبيا

الساعة 2523 أغسطس 2018آخر تحديث :
محكمة ألمانية
  • دخول مسألة الخروج من الاتحاد الأوروبي منطقة الخطر أشاع شعوراً بعدم اليقين ويظهر واضحاً في مزاج الشارع والأسواق
  • انفصال بريطانيا عن الاتحاد يترافق حالياً مع تصاعد مشاعر معادية للمسلمين في بيئات اليمين المتطرّف.
  • تحوّلت حملة اليهود إلى محاكمة لمواقف حزب «العمال» الناقدة لإسرائيل ودفعه للتخلّص من الجناح المتعاطف مع قضية فلسطين.

 

بقلم: عبد الوهاب بدرخان

حزب «المحافظين» الحاكم في بريطانيا منقسم حول صيغة الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، ما ينعكس على خطط الحكومة وخياراتها، وهو منقسم أيضاً بين محاسبة أو مباركة آراء وزير الخارجية السابق بوريس جونسون في برقع المرأة المسلمة ونقابها.

وفيما يغذي حزب «العمال» المعارض هذه الانقسامات في صفوف خصمه، يواصل هو الآخر الغرق في أزمة هي الأولى في حدّتها مع يهود بريطانيا الذين انطلقوا من تغريدات ومواقف لبعض العماليين لوصمهم وحزبهم بـ«العداء للسامية».

وركّزوا حملتهم المركّزة على اتهام زعيمهم «جيمس كوربن» شخصياً، ما انعكس أخيراً في تغريدات لاذعة متبادلة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وكوربن بسبب مناصرته للقضية الفلسطينية.

قد تبدو هذه القضايا غير متصلة، لكن الجدالات الساخنة التي أثارتها، ولا تزال، تشي بأن ثمة ترابطاً، تحديداً لأن البيئة السياسية محتقنة إلى حد يغري الأفرقاء بإشهار كل ما لديهم من «أسلحة» لدعم حججهم.

ذاك أن دخول مسألة الخروج من الاتحاد الأوروبي منطقة الخطر أشاع شعوراً عاماً بعدم اليقين، ويظهر ذلك واضحاً في مزاج الشارع والأسواق كما في مقالات الرأي والبرامج الحوارية والتغطيات الإخبارية.

يستشعر البريطانيون «بريكست» كما لو أنه لوثة طارئة، ويبدون كأنهم لم يخرجوا بعد من صدمة المفاجأة غداة الاستفتاء الشهير الذي كانت كل استطلاعات الرأي تؤكّد أنه سيسفر عن غالبية مع البقاء في الاتحاد.

لم يخرج المغادرون فائزين فحسب وإنما تعرّف المجتمع إلى انقسامه بل انقساماته الكثيرة حول قضايا حيوية تمسّ باقتصاد بريطانيا وجاذبيتها للمال والأعمال المعهودة، وبما يتفرّع من قضايا اجتماعية – سياسية.

ظاهرة غير عادية أن تندفع دولة كبريطانيا إلى خيار تبيّن أنه «شعبوي» ولم يستطع أي خبير مالي مسؤول أو خبير اقتصادي رصين تأكيد أن الطلاق مع أوروبا سيحافظ على استقرار مالي أو يستمر في ترغيب الشركات والاستثمارات بالمجيء إلى بريطانيا، أو حتى البقاء فيها.

كانت التوقّعات بدأت وظلّت كلّها متشائمة وتحذيرية قبل الاستفتاء وحتى الآن. حصلت الخسائر الأولية مع ظهور نتيجة الاستفتاء، ولم يمكن تعويضها، لكن «المغادرين» لم يروا فيها أي إنذار يستدعي التفكّر.

فالنتيجة صارت «قانوناً» والحكومة ملزمة بتطبيقه أيّاً تكن آراء الذين أيّدوا ويؤيّدون البقاء في أوروبا، بل إنهم يتزايدون.

تعذّر الاتفاق مع الأوروبيين على ترتيبات الطلاق فراح «الوسطيّون»، ومنهم رئيسة الحكومة «تيريزا ماي»، يميلون إلى «نصف طلاق» يبقي على التعامل التجاري، غير أن المتشدّدين اقترحوا «طلاقاً» كاملاً من دون اتفاق، مع ما يعنيه ذلك من فوضى تجارية تؤذي الجميع.

اهتزّ التماسك الحكومي باستقالة أقطاب «المغادرين»، لكن «ماي» تمكّنت من رأب التصدّعات، إذ ليس هناك بديل جاهز لمنافستها على زعامة «المحافظين».

هنا يربط كثيرون بين الآراء المتطرّفة التي نشرها (بوريس جونسون) عن البرقع والنقاب وبين مواقف مماثلة كان أبداها ضد الإسلام وضد الغرباء خلال حملة دعم التصويت لـ«بريكست».

ورغم أنه جازف بإذكاء الإسلاموفوبيا فقد كان يخاطب الشعبويين في إطار سعيه إلى إقصاء «تيريزا ماي» التي انضمّت سريعاً إلى الجناح المحافظ الذي انتقد آراءه وطلب تحقيقاً حزبياً معه كما دعاه إلى الاعتذار من المسلمين، وهو ما رفضه.

أما المؤيدون له، فقالوا إنه مارس حرّيته في التعبير وفي النقد الساخر، باعتبار أن إخفاء وجه المرأة وراء البرقع أو النقاب ليس من التقاليد البريطانية، مذكّرين طبعاً بأزمات الهجرة والإرهاب التي ربطوها بخيار «بريكست».

كانت بريطانيا على الدوام، خصوصاً في الظاهر، أقلّ حساسية ضد الإسلام من سائر أوروبا، لكن انفصالها عن الاتحاد يترافق حالياً مع تصاعد مشاعر معادية للمسلمين في بيئات اليمين المتطرّف، مع الإشارة إلى أن ممارسات الإسلاميين باتت مشجعة لهذا التطرّف.

كانت بريطانيا أيضاً أقل شعوراً من سائر الأوروبيين بـ«عقدة الذنب» تجاه اليهود، وإنْ كانت تجرّم «العداء للسامية». اليهود ليسوا تاريخياً على خلاف مع حزب «العمال».

بل لديهم فيه أعضاء بارزون، وإذ سبق أن انتقدوا بشدّة مواقف لحزبيين وحصلوا من قيادة الحزب على عقوبات لهؤلاء إما بفصلهم أو بتجريدهم من مهماتهم، إلا أن الحملة المتواصلة منذ شهور أدّت إلى إرباك الحزب وقيادته.

هنا أيضاً ساهم الجدل في كشف الكثير من الاستهدافات. فمن جهة انتهز حزب «المحافظين» للحملة لإثبات أنه أقرب إلى اليهود ولإضعاف تدخّل خصمه «العمالي» في الانقسامات حول «بريكست».

ومن جهة أخرى، تحوّلت حملة اليهود عملياً إلى محاكمة لمواقف حزب «العمال» الناقدة لممارسات إسرائيل ضد الفلسطينيين، ودفعه إلى التخلّص من الجناح المتعاطف مع قضيتهم.

  • عبد الوهاب بدرخان كاتب وصحفي لبناني

المصدر: «الاتحاد» الظبيانية

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة