المقاومة هي جامعة الشعوب العربية

محرر الرأي5 أغسطس 2018آخر تحديث :
أثبتت الأحداث

أثبتت الأحداث أن المقاومة هي جامعة الشعوب العربية؛ لأنها سر القوة والعنفوان وليست جامعة الأنظمة العربية التي ينبغي لها أن تنسجم مع شعوبها لا مع السياسة الأميركية!

بقلم: السيد محمد حسين فضل الله

هل بقيت هناك حاجة للجامعة العربية في قضايا العالم العربي الحيوية أو المصيرية؟

لقد وُلدت هذه الجامعة “كمنظمة” من إرادة غير عربية، وذلك في ظل رعاية الدولة البريطانية التي استهدفت الإمساك بالقرار العربي، واحتواء السياسة العربية مجتمعة لحساب السياسة الغربية آنذاك..

ومنذ بدأت القضية الفلسطينية تتحرك في الاهتمامات السياسية لهذه الجامعة، كانت فلسطين تسقط بيد اليهود الصهاينة خضوعاً لمعادلة اللعبة الدولية التي تحركت في مفاصل القرار العربي، وإن تمّ تغطية ذلك بأكثر من حرب تمثيلية.

وكانت التنازلات العربية تتوالى من قمة إلى قمة، حتى انتهت إلى قمة بيروت العربية التي قدم فيها العرب لإسرائيل السلام والاعتراف في مقابل الأرض، ورفضت إسرائيل ذلك بالتنسيق مع أميركا التي اعتبرت القرار صالحاً للتفاوض لا للتنفيذ!!

لقد دخلت القضية الفلسطينية في المتاهات السياسية، وتوّج ذلك بنجاح السياسة الأميركية في التخطيط للصلح العربي الإسرائيلي في مصر والأردن. وضمن هذا الجو جرى إلغاء أية مقوّمات لحرب عربية تستهدف تحرير فلسطين، وكان آخر نصر عربي في مصر (1973) قد تحوّل إلى هزيمة.

لتتحوّل سياسة أغلبية الأنظمة العربية بعد ذلك نحو الاعتراف بإسرائيل، وفتح ممثليات اقتصادية وسياسية تحت الطاولة وفوقها، كوسيلة دبلوماسية تخطط للصلح الكامل في المستقبل، وسقطت بفعل هذا التراجع العربي معاهدة الدفاع المشترك بين العرب والمقاطعة الاقتصادية لإسرائيل..

وعلى هذا المسار نفسه، تحولت لقاءات الجامعة العربية إلى ما يشبه الإنشاء العربي في قراراتها على مستوى المندوبين ووزراء الخارجية والقمة، لأنهم لم يستطيعوا الاتفاق على القضايا الحيوية، وانحسرت بذلك عملية إصدار القرار العربي لا إلى ما يبرر التراجع فحسب، بل لحفظ ماء الوجه.

ولم يبقَ هناك عالم عربي بالمعنى السياسي منذ مؤتمر مدريد الذي لم يسمح للجامعة حتى بدور المراقب، لأن إسرائيل ومعها أميركا لا تقبل بالمفاوضات مع العرب مجتمعين، لأنها لا تعترف بعالم عربي بل تتعامل مع كل قطر بمفرده..

وهكذا انطلقت التمزقات العربية في دائرة الضغط الأميركي، لتصل إلى مستوى تحرّر العرب من فلسطين بدلاً من تحريرها.. ودخلت القضية من جديد في اللعبة الدولية، ولا سيما في الاستراتيجية الجديدة للإدارة الأميركية.

وهو ما تجلى في إلقاء قادة هذه الاستراتيجية أكثر من حديث خادع عن الدولتين: الفلسطينية والإسرائيلية، مما يُكثر الرئيس الأميركي الحديث عنه بطريقة استهلاكية، وخصوصاً في الترويج لخطة خارطة الطريق التي قرّرتها اللجنة الرباعية الدولية.

وذلك من دون أن تملك هذه الخطة أية فرصة للتنفيذ بعيداً عن الإرادة الإسرائيلية الأميركية، فيما كانت إسرائيل ـ في هذه الظروف التفاوضية الخادعة ـ تتابع تنفيذ خطتها في اقتطاع الأراضي الفلسطينية لحساب المستوطنات في الضفة والقدس، والجدار الفاصل.

ورفضت ـ بموافقة الولايات المتحدة الأميركية ـ عودة الفلسطينيين إلى بلادهم، وأكدت الصفة اليهودية للدولة، وأسقطت القيادة الفلسطينية، ورفضت المفاوضات تحت شعار عدم وجود شريك فلسطيني، وعملت مع الولايات المتحدة الأميركية بعد الانتفاضة لتقديم الأمن على السياسة، وذلك في ظل وتيرة إجرامية متصاعدة ضد الفلسطينيين..

ولم تستطع الجامعة العربية أن تفعل شيئاً بفعل الإرادة العربية الرسمية المشلولة، وعجزها المطلق أمام الضغط الأميركي.. وسرعان ما أخذت بعض الدول العربية تتنكّر للانتفاضة وللفصائل المجاهدة، كما لو كانت هي المشكلة وليست إسرائيل، حتى انها تنكّرت للحكومة الفلسطينية المنتخبة بطريقة ديموقراطية؛ لأن أميركا ومعها أوروبا لا توافق على التعاون معها إلا بشروط تعجيزية.

وما زالت مجازر الصهيونية بحق الفلسطينيين لا تحرّك ساكناً في قرارات الجامعة العربية.. وكانت نهاية المطاف إعلان الأمين العام للجامعة أن عملية السلام العربية الإسرائيلية ماتت بعد أن سلمتها أميركا لإسرائيل..

ولم يستطع العرب الوصول إلى قرار عقد قمة بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان. وربما كان بعضهم يجد العذر لإسرائيل في كل عدوانها ليحمّل المقاومة المسؤولية في ذلك، وبالرغم من أن شعوب العالم العربي وقفت ضد العدوان، ورفضت سياسة أنظمتها وأيّدت المقاومة..

إن السؤال الذي يفرض نفسه على الجامعة العربية هو: هل بقيت حاجة للجامعة بعد سقوط القضايا المصيرية عند هذه الأنظمة بالضربة الأميركية والإسرائيلية القاضية؟

ولماذا يقبل الحكّام العرب بالإذلال الأميركي في كل القضايا العربية لحساب الدعم المطلق لإسرائيل حتى على مستوى وقف إطلاق النار، والهادف أولاً لمنع المجازر الوحشية التي تقوم بها إسرائيل بالتنسيق الشامل مع أميركا؟

إن أميركا لم تمنح أي دولة عربية في المشكلة اللبنانية والفلسطينية أي موقف إيجابي، في الوقت الذي نعرف فيه أن العرب ليسوا بحاجة إلى أميركا، سواء في الجانب الاقتصادي أو السياسي أو الأمني، بل ان أميركا هي التي تحتاج العالم العربي.

إننا لا نطالب الأنظمة أن تعلن الحرب على إسرائيل كما يصرح بعض الرؤساء برفض ذلك بل أن تمارس الضغوط على أميركا وإسرائيل بطريقة جدية، ولو على مستوى سحب السفراء والممثلين للعدو، أم انهم لا يجرؤون حتى على هذه الخطوة التي يعتبرونها مخيفة لأنها قد تحمّلهم بعض التبعات من هنا وهناك؟!

إننا نلاحظ أن الجامعة لم تستطع أن تتدخل تدخلاً فاعلاً في العراق والسودان والصومال وفلسطين ولبنان، بل أصبحت أميركا وحلفاؤها هي التي تسعى لفرض إرادتها على الشعوب العربية.

كما في الحرب التي تشنها الإدارة الأميركية على لبنان وفلسطين تحت عنوان تأكيد المصلحة اللبنانية والفلسطينية، فيما هي تستهدف فعلياً تدمير هذه المصلحة لحساب الهيمنة الإسرائيلية على لبنان وفلسطين..

ويبقى السؤال: ما هي الحاجة إلى بقاء الجامعة التي تحوّلت إلى شاهد زور، وإلى حائط مبكى لا يستطيع أن يمنع الفيتو الأميركي ضد أي قرار يهدف لحماية أطفال غزة ونسائها وشيوخها وكل المدنيين؟!

ويبقى السؤال يفرض نفسه في هذه اللحظات المصيرية: لماذا كل هذه الجيوش، وما نفع كل هذه الأسلحة؟! وهل بقي هناك عالم عربي يجمع العرب على قضايا المصير، أم أن القُطرية والإقليمية ستبقى هي الطابع للعلاقات بين العرب، وهو ما سيؤثر سلباً على حاضرهم ومستقبلهم؟!

وفي نهاية المطاف نقول: لقد أثبتت الأحداث أن المقاومة هي جامعة الشعوب العربية؛ لأنها سر القوة والعنفوان، وليست جامعة الأنظمة العربية، والتي نريد لها أن تنسجم مع شعوبها، لا مع السياسة الأميركية التي أصبحت تتحرّك في خلفيات أكثر القرارات العربية.

* العلامة السيد محمد حسين فضل الله (1935-2010) مرجع جعفري كبير ومن أعلام الإصلاح الديني.

**المقالة نشرت في السفير يوم 4 أغسطس/آب 2006.

المصدر: السفير اللبنانية

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة