الليبرالية الإستعمارية

أحمد عزت سليم1 يونيو 2020آخر تحديث :
الليبرالية الإستعمارية

بقلم: أحمد عزت سليم … مستشار التحرير

يرى د. كريستوفر لاش مؤكدا فى كتابه : The Revolt of the Elites And The Betrayal of Democracy  “ثورة أو تمرد النخب وخيانة الديمقراطية”:  أن  منحى حركة التاريخ في الآونة الأخيرة أصبح يسير في اتجاه خلق طبقتين فقط: طبقة قليلة العدد تحتكر الثروة والسلطة والتعليم هى النخبة التى تحرص من خلال الحكم والسيطرة على تشجيع رأس المال للاستثمار وبتخفيض الضرائب عليه والحد من الإنفاق الحكومي إلى أقل حد ممكن بإلغاء البرامج الاجتماعية الخاصة بالطبقات الفقيرة ـ ومصر نموذج لذلك ـ على اعتبار أن الرفاه وتقليص الفقر تصنعه آليات السوق وأن التدخل الحكومي يكرس الاتكالية ولا يقضي على الفقر، تمارَس هذه النخبة  السلطة فيه على أساس مبدأ ” الجوفيرنانس ” governance ، على غرار شركات المساهمة في النظام الرأسمالي ذي التقاليد الأنجلو ساكسونية ، حيث يمارس حملة الأسهم نوعا من ” الرقابة ” والتوجيه ، عند توزيع الأرباح ، بهدف دفع المدراء إلى العمل على تحقيق أقصى قدر من الربح للمؤسسات التي يتولون تسييرها . وهذا النوع من ممارسة السلطة في إطار من الرقابة التي يقوم بها المعنيون بالأمر هو مضمون ” الجوفيرنانس ” ، وهي كلمة إنجليزية مشتقة من govern التي تعني في آن واحد ” الحكم ” بمعنى ممارسة السلطة ( الحكومة  government) والرقابة والتوجيه control . وإذن فنموذج ” الحوكمة ” الذي تبشر به ” الليبرالية الجديدة ” يهدف إلى تقليص دور الدولة بحيث تكون مهمتها القيام بالتسيير تحت توجيه ومراقبة أولئك الذين يوازي وضعهم إزاءها وضع حملة الأسهم بالنسبة للمديرين في الشركات الكبرى وقد تمثل ذلك فى حكومات رجال الأعمال فى  فى الدول النامية والأنظمة الخاضعة للهيمنة الإمبريالية  لتصير هذه الليبرالية ” ليبرالية استعمارية ” تصب فى إجمالها لصالح التبعية وللسيطرة الاستعمارية ، وقد نادى عالم الاجتماع الفرنسي ” بيير بورديو ” باليوتوبيا الليبرالية الجديدة التي تقوم على ” الإيمان المطلق بحرية التبادل ، وتقديس سلطة السوق، والبحث عن أقصى حد من المنفعة الفردية ، والحد من نفوذ السلطة المركزية ، والخصخصة الشاملة للمصالح العمومية ”  وترك كل شيء لآليات السوق وحدها فيما يمكن أن نطلق عليه ” أصولية السوق ” Market Fundamentalism  ، ومحاصرة الإنسان وإغراقه فى عوالم الشذوذ والجنس ـ وهذا ماتفعله وتسييده بالتمام النخب الحاكمة فى عالمنا العربى تنفيذا لآليات ” الليبرالية الاستعمارية ” ـ وما ربحته الولايات المتحدة عبر إنتاج المواد الإباحية من خلال الإنترنت وصل في عام 2006م إلى 2,8 مليار دولار ، من أصل 13,3 مليار دولار هو دخل الولايات المتحدة من تجارة الجنس بكل أشكالها ، والولايات المتحدة التي تعد في الوقت نفسه، مركز لأكبر منظمات محاربة الإباحية ، تنتج نحو  89 % من إجمالي المواد المنتجة على مستوى العالم، بينما تنتج ألمانيا 4 % وبريطانيا 3 % ، ويظهر على الإنترنت كل يوم 266 موقعاً إباحياً ما بين مواقع مجانية أوفي مقابل اشتراكات ، ( صحيفة الشرق الأوسط،  4 نوفمبر 2007 م ) . وتنتشر الإباحية على شبكة الإنترنت لتصل إلى 1 % من نسبة المواقع كما أن عدد صفحاتها في تزايد مستمر ما يعني فشل توقعات المراقبين بتناقص المواد الإباحية على شبكة الإنترنت فقد زاد عدد الصفحات الإباحية من 260 مليون صفحة في العام  2003م ، إلى 347 مليون صفحة في العام  2004 م ، لتصل في العام  2007 م إلى 425 مليون صفحة . ( جريدة الشرق الأوسط 4 نوفمبر 2007) .

موضوعات تهمك:

بين الليبرالية والرأسمالية

الليبرالية الجديدة والدولة والثورة: الحالة المصرية

 

 

 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة