العرب والاختبار العسير للديمقراطية

محرر الرأي24 أبريل 2019آخر تحديث :
العرب والاختبار العسير للديمقراطية

العرب والاختبار العسير للديمقراطية

  • أخفقت النخب السياسية العربية في إنجاح الانتقال الديمقراطي مع الموجة الأولى للربيع العربي.
  • لعبت دول الجوار العربي والغرب دوراً في إحباط تجربة الانتقال الديمقراطي العربي وإفشالها منذ 2011.
  • لعب قادة الكنيسة الكاثوليكية في أميركا اللاتينية وجنوب أوروبا دوراً مهماً في نزع الشرعية عن الأنظمة السلطوية.
  • إسبانيا انتقلت إلى الديمقراطية عام 1977، مدشّنة ما بات يُعرف بالموجة الديمقراطية الثالثة.

* * *

بقلم | خليل العناني

تخبرنا تجارب الانتقال الديمقراطي في أميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية أن الديمقراطية ليست سحراً أو اختراعاً عجيباً يصعب الاهتداء إليه.
بل على العكس، هي عملية ممكنة، إذا توفرت لها الظروف الملائمة، وإذا أحسنت النخب السياسية التعاطي مع هذه الظروف بمسؤولية ونزاهة، فإنها قد تدفع ببدء العملية الديمقراطية.

فلم تكن البلدان التي مرّت بتجارب ديمقراطية في أميركا اللاتينية وجنوب أوروبا وشرقها أفضل حالاً، حين انتقلت من السلطوية والاستبداد والصراعات الأهلية، من واقع البلدان العربية حالياً.

خذ مثلاً البرتغال التي حكمها أكثر من أربعة عقود نظام ديكتاتوري قومي، بقيادة أنطونيو سالازار، وخاضت حروباً منهكة للحفاظ على مستعمراتها في أفريقيا (أنغولا، موزامبيق، غينيا البرتغالية، إلخ) إلى أن تم إسقاط الحكم الديكتاتوري عبر انقلاب عسكري لم ترق فيه نقطة دم واحدة، ومهّد الطريق إلى دمقرطة البرتغال، فيما عُرفت بعدها بـ”ثورة القرنفل”.

يكتب عالم السياسة الأميركي، لاري دايموند، في كتابه “روح الديمقراطية”، أنه “حين تهاوى النظام الديكتاتوري أمام ثورة القرنفل، لم يكن واضحًا تمامًا أن البرتغال ستصبح دولة ديمقراطية. لم تكن كذلك من قبل أبداً، بل كانت خلال نصف قرن ترزح تحت حكم شبه فاشي”.

كذلك كانت هي الحال في الجهة المقابلة للبرتغال، حين كانت جارتها إسبانيا تئن تحت حكم ديكتاتوري فاشي آخر، هو حكم الجنرال فرانسيسكو فرانكو الذي وصل إلى السلطة عام 1939، واستمر فيها حتى أصبح مريضاً، وغير قادر على الحركة، منتصف السبعينيات من القرن الماضي.
وذلك قبل أن تبدأ إسبانيا في الانتقال باتجاه الديمقراطية عام 1977، مدشّنة ما بات يُعرف في أدبيات الانتقال الديمقراطي بالموجة الثالثة للديمقراطية، حسب وصف عالم السياسة الأميركي الأشهر، صمويل هنتنغتون.

وهكذا جرت الحال قبلها في اليونان، قبل أن تنتقل حمّى الديمقراطية إلى بلدان أميركا اللاتينية، كالبرازيل والأرجنتين وتشيلي والسلفادور، حتى وصلت أطراف أوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي الذي خلّف دولاً سعت للالتحاق بقطار الديمقراطية.

كما وصلت عدوى الديمقراطية إلى أطراف آسيا، فأطاحت حكم الديكتاتور فيرناندو ماركوس في الفيليبين منتصف الثمانينيات، من خلال مقاومة وكفاح سلمي استمر عقوداً، وما هي إلا أشهر قليلة، حتى لحقت كوريا الجنوبية بالفيليبين في إبريل/ نيسان 1987.

وهكذا وجدت الديمقراطية طريقها، أو بالأحرى وجدت الشعوب الأوروبية والأميركية والآسيوية طريقها، باتجاه إنهاء التجارب الاستبدادية، وشق الطريق نحو الحكم الديمقراطي.

وقد كانت لديها الظروف نفسها في العالم العربي الآن، سواء من حيث صراعات أهلية طاحنة (البرتغال وإسبانيا) أو جنرالات عسكريين قابضين على السلطة (الأرجنتين، البرازيل، تشيلي) أو أحزاب مهيمنة على السلطة (الفيليبين، كوريا الجنوبية، بولندا، ألمانيا الشرقية).

وهو ما يُثير التساؤل حول فشل الانتقال الديمقراطي في العالم العربي، وما إذا كان الأمر يتعلّق بالثقافة العربية التي تخاصم الديمقراطية، كما يقول المستشرقون، أو كما يدّعي بعض مثقفينا المتنطعين.

وتكشف مقارنة سريعة بين هذه التجارب المذكورة وتجربة العالم العربي في ما يخص الديمقراطية أن ثمّة ثلاثة فروق أساسية، أو على الأقل ملاحظات فارقة بين التجربتين.

أولها يتعلق بالدور المحوري الذي تلعبه النخب السياسية في أثناء المراحل الانتقالية، فعلى عكس التجارب الأخرى التي نجحت فيها النخب الجديدة في استثمار فرصة سقوط الأنظمة السلطوية، من أجل تحقيق انتقال ديمقراطي ناجع.

فقد أخفقت النخب السياسية العربية في القيام بالدور نفسه، حين لاحت الفرصة مع الموجة الأولى للربيع العربي. وقد غرقت هذه النخب في خلافاتٍ واستقطاباتٍ سياسيةٍ وإيديولوجيةٍ وهوياتيةٍ، دفعت الأنظمة القديمة، أو من هو على شاكلتها، إلى العودة إلى الحياة السياسية، ووأد التجربة الانتقالية في مهدها. حدث ذلك في اليمن وليبيا، وربما نراه أيضاً في السودان والجزائر، بعد أن يهدأ غبار انتفاضاتهما الحالية.

الفرق الثاني هو دور النخب الدينية والمجتمعية في توعية الجماهير بأهمية الانتقال الديمقراطي، والحفاظ على مساره، مهما كانت التكلفة، وذلك بديلاً عن الانزلاق باتجاه الحكم الفردي الذي يدّمر السلم والتعايش الأهلي.

فقد لعب قادة الكنيسة الكاثوليكية في أميركا اللاتينية وجنوب أوروبا دوراً مهماً في نزع الشرعية عن الأنظمة السلطوية، باعتبارها ضد روح الدين والسلام. وهناك حكايات عديدة حول دور القساوسة في السلفادور والبرازيل والأرجنتين في تعبئة الشارع ضد الحكم السلطوي في بلدانها.

وقد دفع بعضهم حياته ثمناً لذلك، منهم القس أوسكار روميرو رئيس أساقفة السلفادور الذي قتلته “فرق الموت” التابعة للنظام السلفادوري، والتي كانت مهمتها استهداف المعارضين للأنظمة السلطوية في دول أميركا اللاتينية.

وهو ما لم يحدث في بلداننا التي يلعب رجال الدين في كثير منها دوراً مهماً في الحفاظ على الحكم السلطوي وتثبيته، بمبرّرات دينية وثيولوجية مختلفة.

الفرق الثالث هو دور الجوار القريب والبعيد في إنجاح أو إخفاق الانتقال الديمقراطي في البلاد المعنية، ففي معظم، إن لم يكن جميع، تجارب الانتقال الديمقراطي في أميركا اللاتينية وجنوب وشرق أوروبا وحتى آسيا (خصوصاً الفيليبين وكوريا الجنوبية) لعبت الضغوط الإقليمية والدولية دوراً حيوياً في الانتقال الديمقراطي والقطيعة مع الماضي السلطوي.

فقد شجعت أوروبا على نجاح التجربة الديمقراطية في البرتغال واليونان والبرازيل، وكذلك في دول شرق أوروبا. كما ساعدت الولايات المتحدة، من خلال ضغوطها على حلفائها في الفيليبين وكوريا الجنوبية، على الانتقال الديمقراطي.

وعلى العكس من ذلك، فإن دول الجوار العربي والأوروبي، وكذلك أميركا، لعبت دوراً في إحباط تجربة الانتقال الديمقراطي في العالم العربي وإفشالها منذ عام 2011.

وبدون معالجة هذه العوامل، يبقى من الصعب على العرب تحقيق انتقال ديمقراطي ناجع، وسيتم إعادة إنتاج الحكم السلطوي بطرق وأشكال مختلفة.

* د. خليل العناني أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدوحة للدراسات
المصدر: العربي الجديد

موضوعات تهمك:

ماذا يحدث الآن فى الواقع العربي ؟!

ملامح الموجة الثانية من «الربيع العربي»

شهود زور في حفلة ذبح الشعوب

دستور يااااااااااعرب!

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة