السودان بعد جمعة الغضب

محمود زين الدين2 يناير 2019آخر تحديث :
السودان بعد جمعة الغضب

المحتويات

السودان بعد جمعة الغضب

  • ما انعكاسات حالة فراغ سلطة فى السودان على الأمن الإقليمى والدولى في البحر الأحمر والساحل والصحراء؟
  • يحتاج تغيير النظام من جذوره زخما شعبيا، ورؤية فكرية ناضجة، وأدوات تنظيمية مستحدثة، ورموز سودانية جديدة.

 

بقلم: أماني الطويل

لا يبدو الانفجار الشعبى الذى جرى مؤخرا مفاجئا للمراقبين للشأن السودانى، ذلك أن عمر الاحتقانات السياسية كبير، كما أن عدم الاستقرار الأمنى فى كل من دارفور وجنوب كردفان له أثره السلبى على حالة استقرار الدولة، وأيضا السلطة المطلقة التى مارسها الرئيس البشير خلال الفترة الماضية باتت موضع قلق داخلى وإقليمى ودولى.

وقد تصاعدت الحركة الاحتجاجية السودانية خلال العشرة أيام الماضية، وتنبأ بإمكانية حدوث تغيير سياسى غير معروف حتى الآن مدى شموليته، أو قدرته على الإطاحة بجذور النظام السياسى الممتد فى السودان لما يزيد عن ثلاثين عاما.

وتبدو مصادر هذه الصعوبة فى أمرين الأول داخلى وهو تفريخ أكثر من جيل فى إطار أيديولوجيات متنوعة لفرق الإسلام السياسى تحت مظلة الجبهة القومية الإسلامية، والتى قادها د. حسن الترابى الرجل الذى استطاع أن يطور من أدوات الجبهة التنظيمية، ويدشن اتجاهات فكرية ربما تكون أكثر تقدما من التنظيم الأم وخصوصا فى السياقات الاجتماعية.

أما على المستوى الخارجى، فإن للأدوار الإقليمية والدولية مساحة مؤثرة نظرا لما يمكن أن تحدثه حالة فراغ سلطة فى السودان من انعكاسات على الأمن الإقليمى والدولى خصوصا فى منطقتى البحر الأحمر، والساحل والصحراء الإفريقى.

هذه الحالة هى أكبر التحديات التى تواجه المحتجين السودانيين اليوم وهم الذين يطمحون فى تغيير النظام من جذوره فى مهمة تحتاج إلى زخم شعبى ضخم، ورؤية فكرية ناضجة، وأدوات تنظيمية مستحدثة، وأيضا وجوه ورموز سودانية جديدة.

*    *    *

وربما يكون من المهم فى البداية رصد حالة الاحتجاجات وأسبابها، ثم تحولاتها وأخيرا ماهى آفاق التغيير وحدوده.

هناك عدد من المحطات الاحتجاجية السودانية متباينة القوة والتأثير ضد النظام السودانى بدأت 2012 بعد عام من استقلال دولة جنوب السودان، حيث فقدت الحكومة غالبية مواردها النفطية بعد التقسيم الجغرافى، واضطرت إلى رفع الدعم التدريجى عن الطاقة، بل إن ذلك أحد محركات التحالف السوداني مع إِثيوبيا فى ملف سد النهضة.

أما احتجاجات ديسمبر الراهنة فقد اندلعت ضد النظام السودانى من مدينة عطبرة شمال شرق السودان لأسباب مباشرة مرتبطة بندرة الخبز والوقود، وافتقاد السيولة النقدية فى البنوك حتى لم يعد للناس القدرة على الحصول على مدخراتهم. وقد زادت متوالية الاحتجاجات لتطول مدن القضارف ومدنى والربك وبوتسودان ثم الخرطوم على مدى الأيام الماضية.

أما على الصعيد السياسى فقد كان لتحرك البرلمان مطلع ديسمبر نحو تغيير الدستور، وفتح الباب أمام مدد رئاسية مفتوحة للرئيس البشير، انعكاس على تعميق واتساع حالة الغضب؛ خصوصا بعد عقد المؤتمر الوطني مؤتمره التاسع مؤخرا وتأييد ترشح البشير فى انتخابات ٢٠٢٠، حيث أعلن أحمد عمر رئيس البرلمان السودانى يوم ٥ ديسمبر للصحفيين عن تلقيه «لمذكرة من 33 حزبا ممثلين بحوالى 294 نائبا لتعديل الدستور فيما يتعلق بعدد المرات المسموح فيها بترشيح الرئيس».

وقد بدأ بلورة الموقف الاحتجاجى عشية عودة السيد الصادق المهدى للخرطوم الذى لم يستطع أن يواكب نبض الشارع السودانى، فواجه انتقادات واسعة فى أوساط الرأى العام السودانى.

لكن سرعان ما تم تدارك هذا الموقف على يد مريم الصادق المهدى نائب رئيس حزب الأمة التى دانت بشكل واضح نظام الإنقاذ بشكل أكبر وأوسع من أبيها. وبطبيعة الحال تطورت مواقف غالبية الأحزاب السودانية عشية جمعة الغضب، حيث دعت الأحزاب إلى المشاركة فى هذا الحدث.

*    *    *

ويمكن القول إن هذه الاحتجاجات هى احتجاجات شعبية بامتياز التحقت بها الأحزاب وقد بدأت بطابع اقتصادى اجتماعى ولكنها سرعان ما بلورت مطالب سياسية تنادى بتغيير النظام السياسى خصوصا مع مسئوليته المباشرة عن تردى الأحوال المعيشية، وفتح الطريق أمام حكم مفتوح وممتد للرئيس البشير.

وهو ما دفع المتظاهرين لحرق مقار حزب المؤتمر الوطنى الحاكم فى كل المدن التى اندلعت فيها الاحتجاجات وكذلك الاستيلاء على محتويات ديوان الزكاة من سلع ومواد تموينية وتوزيعها.

ورغم تعطيل الحكومة للدراسة بكل مستوياتها فى كل من الخرطوم وولاية سنار فإن الاحتجاجات قد حافظت على استمراريتها واتساعها الكمى والجغرافى.

وقد برز يوم ٢٤ ديسمبر أى بعد خمسة أيام من الاحتجاجات اتحاد المهنيين السودانيين الذى تبنى تنظيم جمعة الغضب، وسبق ذلك بالإعلان عن تظاهرة يوم الثلاثاء ٢٥ ديسمبر لتقديم مذكرة لرئاسة الجمهورية موضوعها الوحيد هو الطلب إلى الرئيس البشير التنحى عن الحكم.

وفى هذا السياق عمم الاتحاد مذكرته هذه على ممثلى الاتحاد الأوروبى وسفارات الكثير من العواصم العالمية، التى اندلعت فيها أيضا مظاهرات مؤيدة مطلب تنحى الرئيس البشير، وذلك أمام السفارات السودانية حول العالم.

وقد تسببت هذه الاحتجاجات فى ارتباك الموقف الرئاسى والحكومى منها فبينما اتهم رئيس المخابرات صلاح قوش المحتجين أنهم تحركهم المخابرات الإسرائيلية وخلايا دارفورية منتمية للمعارض عبدالواحد نور، فإن الرئيس البشير عمد إلى موقف احتوائي عشية تقديم مذكرة التنحى إلى القصر الجمهورى، معترفا بمشروعية حركة المواطنين وواعدا بإصلاحات جذرية ومشروعات تنموية.

على أن الرئيس سرعان ما انقلب على موقفه هذا ليتهم المعارضين من ولاية الجزيرة أنهم خونة وعملاء وتحركهم أياد أجنبية، نظرا لموقفه المبدئى، ومحاصرة الغرب للسودان، حيث ارتبط الموقف التصعيدى من جانب الرئيس البشير بقدرة الأمن على عدم السماح للمتظاهرين بالوصول للقصر الجمهورى يوم ٢٥ ديسمبر وتقديره أن الأدوات الأمنية فى القمع ما زالت ناجعة.

أما على مستوى الأجهزة الأمنية فنلاحظ تفاوتا وارتباكا أيضا، حيث برزت فى عطبرة بأيام الاحتجاجات الأولى انحيازات من قادة بالجيش للاحتجاجات مما عزز من المخاوف بإمكانية قيام انقلاب عسكرى تقوده عناصر من الجبهة القومية الإسلامية التى لها وجود فى الجيش القومى، بهدف احتواء الاحتجاجات الجماهيرية، بإجراء تغيير شكلى للنظام باقتلاع رأسه فقط وهو ما يتيح الحفاظ على مصالح النخب القائمة.

وقد تزامن مع ذلك نفي «محمد حمدان دقلو حميدتى» ــ قائد قوات الدعم السريع ــ قيامها بأى دور فى قمع المحتجين، لكن سرعان ما أصدر الجيش القومى بيانا قبل يوم من مظاهرة القصر بالتفافه حو قيادته، التحاما بكل الأجهزة الأمنية بالدولة جيش وشرطة وقوات دعم سريع وجهاز الأمن الداخلي،

لكن حميدتي عاد مرة أخرى ليعلن انشقاقه عن هذه الحالة بل وينتقد الأوضاع القائمة غامزا من قناة الرئيس البشير نفسه ويؤكد مرة أخرى بعدم ضلوع قواته فى قمع أي احتجاجات للسودانيين مع إضفاء طابع من شرعية على هذه الاحتجاجات، والمطالبة بضرورة تحسين حياة السودانيين.

أما عشية جمعة الغضب فقد قفز جزئيا حزب المؤتمر الشعبى السودانى (حزب الترابى) شريك حزب المؤتمر الوطنى فى الحكم من سفينة الرئيس برفض قتل المتظاهرين المدنيين والتحقيق حول الجهات المسئولة عن ذلك.

كما قفز من سفينة البشير أيضا عدد من الرموز السياسية التى تحالفت سابقا مع النظام السياسى، واستوزرت فى حكوماته أو شاركت فى منظومة الحوار الوطنى، طبقا لشروط الإنقاذ.

*    *    *

وبطبيعة الحال لا بد وأن يقلق تصاعد الاحتجاجات السودانية على رقعة جغرافية كبيرة الجوار الإقليمى فتبدو عمليات دعم الرئيس البشير حذرة وربما متراجعة، وربما هذا ما يفسر أن يتصل أمير قطر بالرئيس البشير تليفونيا مرة واحدة فقط، دون أن يقدم دعما اقتصاديا واضحا لنظامه.

كما انعقدت الآلية التشاورية الرباعية المصرية السودانية، والمكونة من وزيرى خارجية البلدين ورئيسي جهازي المخابرات. وهى الآلية التى لم تنعقد إلا مرة واحدة فى فبراير ٢٠١٨، حيث كانت المقولات المصرية الرسمية فى أعقاب هذا الاجتماع دقيقة وحذرة، ولم تتجاوز دعم الاستقرار فى السودان، والدعوة للحفاظ على مقدرات شعبه وحين أشارت لتطابق فى وجهة نظر الدولتين حددتها فى ثلاث قضايا هى: العلاقات الثنائية، القضايا الإقليمية، متطلبات الأمن القومى للدولتين.

ولم يرد ذكر الرئيس البشير، فى أى تصريحات مصرية، رغم أنه قد التقى بكل من السيدين وزير الخارجية سامح شكرى ومدير المخابرات اللواء عباس كامل وكلها مسائل تخص مؤسسة الدولة السودانية، وليس أى نظام سياسى بعينه.

* د. أماني الطويل خبيرة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

المصدر: الشروق – القاهرة

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة