السعودية وأوهام النظام السوري

محرر الرأي15 أبريل 2012آخر تحديث :
bshar soudi 591

bshar soudi 591

بقلم: أمل عبد العزيز الهزاني
منذ أثارت السعودية موضوع تسليح المعارضة السورية دفاعا عن السوريين العزل أمام وحشية نظام الأسد، لم يكف الإعلام السوري والإيراني عن الهجوم على المملكة واتهامها بانتهاز الأزمة للثأر من سوريا بسبب اختلاف موقف الدولتين الفكري والعقائدي في الكثير من القضايا العربية. إعلام بشار الأسد تفنن في فتح ملفات قديمة وحديثة للطعن في مواقف الرياض حول سوريا ولبنان والقضية الفلسطينية.

ربما لا تكفي الأسطر المتاحة للرد الكامل على أكاذيب إعلام التزييف فيما يخص القضية الفلسطينية، ولا يحق لمن ارتكب مذبحة مخيم تل الزعتر الفلسطيني في لبنان نهاية السبعينات أن يزايد على موقف المملكة من القضية الفلسطينية. ولكن الأهم هو التأكيد على أن الاختلاف الذي يلعب على أوتاره نظام بشار الأسد بين السعودية وسوريا كان حاضرا منذ حكم والده حافظ الأسد، وكان الأسد الأب بالذكاء والدهاء الذي جعله يتجنب مع السعودية الخلاف رغم الاختلاف، لعلمه بأهمية إبقاء العلاقة مع المملكة وما ستعود به عليه من الفائدة أو منع الضرر، مهما تباعدت المفاهيم.

مواقف السعودية من سوريا في عهد حافظ الأسد محفورة في ذاكرة التاريخ ولا يملك أحد محوها أو تشويهها، وهي لا تعد ولا تحصى بدءا من الدعم المالي والعسكري وحتى الذود عنها في المحافل الدولية التي رأت في سوريا موطنا لتربية العصابات الإرهابية المسلحة. ومع عدوانية حافظ الأسد واستفزازه لدول الجوار كالعراق الذي تضرر من إنشاء «سد طبقة» وحجز مياه نهر الفرات في بحيرة الأسد، كادت تنشب حرب بين الدولتين، فتدخلت السعودية عام 1975 ورسمت اتفاقية أطفأت شرارة الحرب بين الديكة البعثيين. وفي اتفاق الطائف الذي كتب الحلقة الأخيرة من مسلسل تدفق الدم اللبناني في عام 1989، والذي كان ينص على انسحاب الجيش السوري من لبنان خلال سنتين من توقيع الاتفاقية، لم تمارس السعودية ضغوطا لتأليب اللبنانيين بعضهم على بعض أو لتحريض الغرب على إرغام حافظ الأسد على الانسحاب، بل حفظت ماء وجهه وجعلت حالة السلم في لبنان أولوية، ولم تخرج القوات السورية إلا في عام 2005 بقرار من مجلس الأمن بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ولم يكن شيء ليردع الجيش التركي في عام 1998 من اقتحام قلب سوريا وانتزاع عبد الله أوجلان الزعيم الكردي المطارد إلا وساطة سعودية، فأمهلت تركيا حافظ الأسد يومين لتسليم المطلوب، وهكذا كان.

في عهد حافظ الأسد، لم تكن سوريا – رغم تحالفها مع إيران في حربها ضد العراق، ورغم ميلها للاتحاد السوفياتي على حساب المصالح العربية – دولة مسلوبة القرار، ولم تكن تابعة لأي من الدولتين، بل حليفة. استطاع أن يحافظ الأسد الأب على هيبة الدولة السورية ومكانتها الإقليمية رغم كل الأزمات والحروب الخاسرة، وكان له في كل عثرة وثبة، ودعم كان ينتظره دائما من المملكة، ولم يخب ظنه يوما.
أما الأسد الابن، البسيط الشخصية، الفقير سياسة وإدارة، فله أن يفاخر اليوم بأن رعونته وتبعيته لإيران حجمت سوريا وحولتها من دولة ذات سيادة، إلى مجرد تنظيم، مثله مثل حزب الله وحماس.

منذ تولي بشار الأسد السلطة، كانت القيادة السعودية تجتهد بكل الوسائل لاحتوائه بسيل من رسائل النصح المكتوبة والمنطوقة، وبالدعم السياسي والمالي، دعمته بعد سقوط بغداد في 2003 على يد الأميركيين الشرهين وقتها لإسقاط كل الأنظمة التي تعاديها، وكان بشار الأسد يرتعد خوفا من التفاتة أميركية ضاقت ذرعا بنظامه. وحتى حينما اغتيل رفيق الحريري في 2005، حليف المملكة وصديق القيادة، وفاحت رائحة شبهة القتل حول نظام الأسد، لم تقطع السعودية علاقتها بسوريا، بل تجاوزت هذه المحنة بكثير من الحكمة والهدوء، وعادت لتحاول احتضان الأسد ونصحه بتسليم المطلوبين للعدالة وأن لا يقف في وجه المحكمة الدولية حتى لا يكسب عداء العالم.

كانت المملكة وكأنها تدس ورقة الإجابة الصحيحة في يد الطالب البليد في قاعة الاختبار، لكنه لم يستطع حتى أن يتلقفها لأنه كان قد اتخذ قراره بأن يتنازل عن كرسي السيادة لصالح الإيرانيين، ولم يتبق من عروبته أو حميته لها سوى عبارات القومية المصابة بعوامل التعرية وانسلاخ اللون في شوارع دمشق.

في خطابه الشهير خلال حرب إسرائيل على لبنان في 2006، تجاوز بشار الأسد الأعراف الدبلوماسية وتهجم على المملكة بلغة بعيدة عن التهذيب. تجاوز التعريض بالمملكة مع أصدقائه إلى التعريض العلني، بكل غرور وعنجهية، ومع ذلك قبل العاهل السعودي اعتذاره واستضافه في قمة الرياض في العام الذي يليه، ولم يكد ينتهي العام نفسه حتى ابتدر نائبه فاروق الشرع، الرجل الأول لإيران في سوريا، بالهجوم صراحة على المملكة. ومع هذا السلوك الشاذ، وإضافة إلى دور سوريا السلبي في التقاتل العراقي، ودورها السلبي في لبنان خاصة في فترة احتلال ميليشيا حزب الله لبيروت في مايو (أيار) 2008، دعا الملك عبد الله بشار الأسد إلى قمة رباعية بالرياض في 2009 في محاولة لتنقية الأجواء ليكون العرب متفقين، وإن لم يكونوا متحدين، ضد جرّهم إلى صدام إيراني أميركي. وفي بداية الأزمة السورية الحالية التي يدعي النظام السوري أن السعودية تستغلها للانتقام، أرسل الملك عبد الله رسله لبشار الأسد يحذره من سوء إدارة الأزمة بإراقة الدماء، ولكن للأسف، سبق جنون العظمة العذل.

باختصار نستطيع أن نقول إن علاقة السعودية بسوريا في عهد بشار الأسد لم تكن علاقة صداقة صحيحة، بل كانت في حالة موت دماغي، ولم يكن يربطها بالحياة سوى إمدادات الغذاء التي تحرص عليها المملكة، أي إنها مبادرات وخطوات إيجابية من طرف واحد، ولولا ذلك لانتهت هذه العلاقة منذ سنوات.

مهما جيّش النظام السوري من أقلام وإعلام، لتشويه مواقف المملكة تجاه سوريا فلن يقوى على إلغاء الوقائع أو التشكيك في صدقها، وعلى بشار الأسد أن ينشغل بإخراج نفسه من الحفرة التي أوقع نفسه فيها بدلا من محاولة خلق معارك كلامية. كما لا حيلة للسعودية فيما ترى وتسمع من عقلية النظام الذي لا يفهم سوى لغة التآمر والاحتيالات والخداع إلا أن تتمسك بموقفها الأخلاقي تجاه الشعب السوري، وتبقي على تاريخها الناصع بعيدا عن المهاترات، ولا تعبأ بأسد يزأر في غابة محترقة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة