الدولار أصدق إنباء من الكتب

الساعة 255 سبتمبر 2018آخر تحديث :
الدولار أصدق إنباء من الكتب
  • لو اعتمدت أمريكا القوة العسكرية فقط لفرض هيمنتها لخاضت عشرات الحروب وخسرتها
  • الولايات المتحدة ستفقد احتكارها للهيمنة عالمياً نتيجة غطرسة الإدارة الحالية
  • أمام دول العالم فرصة للاعتماد على الذات والخروج من تحت السيطرة الأمريكية

 

بقلم: ماجد الأنصاري

الهيمنة السياسية ليست نتاجاً للقوة الصلبة فحسب، تلك القوى التي هيمنت وبادت أو ما زالت، اعتمدت في فرض هيمنتها على أمور عديدة، يأتي في مقدمتها طبعاً سلاح الردع العسكري، ما يكفي من القوة العسكرية ليعرف العالم أن هذه الدولة قادرة على الدفاع عن نفسها أو حلفائها إذا ما استدعت الحاجة.

لكن ذلك لا بد أن يتبعه عوامل أخرى وعلى رأسها المال، الهيمنة لها رسوم لابد أن تدفع، هذه الرسوم تأتي على شكل مساعدات، أو مساهمات استثنائية حجماً في اقتصادات الدول الأخرى ودعم مباشر وغير مباشر للدول التي تريد الهيمنة عليها.

لذلك تجد أن القوى العالمية والإقليمية تدفع فاتورة القوة هذه والتي تكلف ميزانيات هذه الدول الشيء غير القليل.

الولايات المتحدة في إطار هيمنتها الدولية المنفردة تقريباً منذ انهيار الاتحاد السوفيتي اضطرت إلى دفع المليارات عبر برامج المساعدات العسكرية منها وغير العسكرية لمختلف دول العالم لتأمين رصيد سياسي يتم استخدامه عند الحاجة.

وهذا هو السبب الرئيسي في تبعية الكثير من الدول للإرادة الأمريكية، لذلك كانت إدارة أوباما السابقة ترى أن المشكلة الأساسية مع إيران هي أن علاقتها مع واشنطن مبنية على العقوبات الاقتصادية وليس المساعدات، وكان منظرو الاتفاق النووي يرون فيه فرصة لأن يصبح الاقتصاد الإيراني معتمداً على دعم أمريكي أو على الأقل على دورة الاقتصاد الأمريكية.

الأمر نفسه يفسر المساعدات الأمريكية الاستثنائية لمصر منذ التزامها بعملية السلام وباكستان في إطار التعاون ضد الإرهاب وغير ذلك كثير، ولو اعتمدت الولايات المتحدة على القوة العسكرية وحسب لفرض هيمنتها لخاضت عشرات الحروب في محاولة إثبات هذه الهيمنة ولخسرت معظمها، ولكن الدولار أصدق أنباء من الكتب.

اليوم وفي إطار توجه الإدارة الأمريكية لتقليص المساهمة الأمريكية عالمياً توقف واشنطن دعمها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا وتقلل مساهمتها في الأمم المتحدة بشكل عام وفي حلف الناتو ودعمها لباكستان وغيرها من الدول وحتى الدعم الأمريكي لمجموعات المعارضة السورية يتعرض للإيقاف، إدارة ترمب تعتقد أنه بإمكانها استخدام العقوبات بديلاً للدعم لتمرير أجندتها، كما أنها تعتقد أنه بإمكانها الضغط على بقية العالم لتحمل نفقات الهيمنة الأمريكية، لذا نسمع ترمب يتحدث عن ما على ألمانيا والأوروبيين أن يدفعوه في الناتو وما على الدول البترولية في الخليج أن تدفعه لتمرير مشاريع الإدارة في المنطقة، كل ذلك قد يثمر على المدى القريب، ولكن ما إن يستنفد الرصيد السياسي للولايات المتحدة ستنقلب الصورة، ستصبح الدول التي استثمرت مالياً في تغطية العجز الذي خلفه الانسحاب الأمريكي من برامج الدعم وميزانيات المؤسسات الدولية ذات صوت أعلى من واشنطن، واليوم ما تقوم به واشنطن من الضغط على حلفائها لتمويل مشاريعها في الداخل والخارج سيتحول إلى لعنة عليها حين تصبح الولايات المتحدة نفسها معتمدة على الدعم الخارجي لتحقيق نفوذها الداخلي ودعم اقتصادها محلياً.

ستفقد الولايات المتحدة احتكارها للهيمنة عالمياً نتيجة غطرسة هذه الإدارة، فالمساهمات المالية الأمريكية في الخارج هي صمام الأمان الأخير الذي يضمن لواشنطن طاعة القوى المتوسطة والدول الصغيرة، اليوم الكثير من هذه الدول تعيد حساباتها عبر التواصل مع داعمين جدد أو العمل على تشكيل تحالفات جديدة، وإدارة ترمب غير مستوعبة لما يحدث، يشكل هذا فرصة لدول كثيرة في هذا العالم للاعتماد على الذات والخروج من تحت الرحمة الاقتصادية الأمريكية، وفرصة لدول مثل دولنا في أن تحقق دبلوماسية مستدامة عبر الاستثمار الذكي في الفراغات التي تتركها واشنطن في اقتصادات دول المنطقة والعالم.

  • د. ماجد الأنصاري أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة قطر

المصدر: «صحيفة الشرق» القطرية

 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة