التطرف والإرهاب بين استراتيجيتين

الساعة 2510 أكتوبر 2018آخر تحديث :
التطرف والإرهاب بين استراتيجيتين

التطرف والإرهاب بين استراتيجيتين

  • تنطلق استراتيجية ترامب من «أيديولوجيا» متطرفة لا تخفى مكوناتها الإنجيلية والصهيونية على أحد.
  • لم يكن خطاب الإصلاح والتحديث والدمقرطة وحقوق الانسان، إلا «تغيير الأنظمة» كما فهمها قادة عرب كثر
  • ستفشل استراتيجية ترامب وتحفز التطرف واليأس المؤدي للعنف وتفاقم مخاطر الإرهاب.

 

بقلم: عريب الرنتاوي

كشف جون بولتون عن معالم الاستراتيجية الأمريكية لمحاربة التطرف والإرهاب… هذه المرة، وبخلاف استراتيجية العام 2011، زمن باراك أوباما، بدا أن «الإسلام الشيعي» هو «العدو المستهدف» بالاستراتيجية.

وذلك بعد أن جرى توصيف إيران بأنه الدولة الشريرة والداعم الأكبر للإرهاب منذ العام 1979، وليس من اليوم، وبعد أن احتل حزب الله والجهاد الإسلامي والحوثيون، مكانة متقدمة في لائحة التهديدات التي تجبه الأمن القومي الأمريكي وأمن واستقرار حلفاء واشنطن وأصدقائها.

في استراتيجية 2011، بل وفي مجمل السلوك الأمريكي، وتحديداً في سنيّ أوباما الثمانية، احتل «الإسلام السني» موقع الصدارة في قائمة مهددات الأمن القومي الأمريكي، باعتباره حاضنة الإرهاب ورافعته الكبرى للتجنيد والتعبئة والتحشيد.

كان ذلك امتداداً لصدمة الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، والتحولات في المواقف والسياسات والاستراتيجيات.

وكان ذلك بـ«وحي» من اندلاع ثورات الربيع العربي وانتفاضاته، واحتلال الإسلام السني (الإخواني بخاصة) مكاناً ريادياً في الأنظمة والإدارات التي انبثقت عن هذه الثورات، وقيامه بدور قيادي في حركة الشوارع العربية الأخرى، وإن من موقع المعارضة.

مهّدت سلسلة لم تنقطع من الأبحاث والدراسات والمؤتمرات و«الزيارات» والاتصالات الرسمية وغير الرسمية، الطريق لحوار في العمق بين الولايات المتحدة والإخوان المسلمين، بوصفهم العمود الفقري الأكثر تنظيماً و«عقلانية» من بين جميع حركات الإسلام السياسي السني.

وبدا أن واشنطن قد قررت التعامل بـ«إيجابية» مع مخرجات الربيع العربي، حتى وإن تطلب الأمر، التخلي عن حلفاء تاريخيين لها من وزن محمد حسني مبارك وزين العابدين بن علي وغيرهما إن اقتضت الضرورة.

لقد سمعت واشنطن من «محدّثيها» الإسلاميين ما يكفيها، أقله كحد أدنى لفتح صفحة جديدة من التعامل والتعاون معهم.

فهم اقتصاديا، لا ينتمون لعوالم الاشتراكية و«مدرسة القطاع العام»، بل أصدقاء لصندوق النقد الدولي ونظرية السوق والنظام الرأسمالي العالمي، حتى وإن جرى تغليفها جميعاً بـ«حجاب» إسلامي، تحت يافطة البنوك والصيرفة والتأمين الإسلامية.

والأهم، إنها سمعت منهم، ما يطمئنها إلى «سلامة» علاقاتهم بإسرائيل، والتزامهم بالاتفاقيات المبرمة معها، وتحاشي الصدام معها أو إشهار العداء لها ومقاومة التطبيع معها إلى أن قُضي الأمر، وكان ما كان في مصر وتونس وغيرها من البلدان التي لم يظفر بها الربيع بأية فرصة من أي نوع.

بدا أن قلق واشنطن من «الإسلام السني» لم يكن مقتصراً على قواه ومنظمات «الحركية»، الشعبية فحسب، بل طاول أنظمة حكم لطالما صنفت معتدلة.

حملت إدارة بوش على «أصدقاء لا حاجة لها لأعداء بوجود أمثالهم»، قيل إن روافد «الإرهاب السني» تنبع من أكبر وأهم الدول العربية والإسلامية وأكثرها مالاً وسكاناً.

واحتل شعار «نشر الديمقراطية» مكانة أعلى من أي وقت مضى على رأس قائمة أولويات السياسة الأمريكية في «الشرق الأوسط الكبير»، ومعه شمال أفريقيا بالطبع.

وسادت العلاقة بين هذه الدول، وإدارة أوباما مناخات من الفتور المشوب بالشكوك والاتهامية، ووقعت انتقادات اول رئيس أمريكي الأسود على رؤوس بعض القادة العرب، كالصاعقة، خصوصاً حين أبلغهم في «كامب ديفيد» أن واشنطن قادرة على حمايتهم من أعداء الخارج، وستفعل ذلك، ولكنها غير راغبة وغير قادرة إن رغبت، على حمايتهم من «أعداء الداخل».

لم يكن خطاب الإصلاح والتحديث والدمقرطة وحقوق الانسان، إلا رديفاً لسياسة «تغيير الأنظمة» كما فهما قادة عرب كثر، احتفلوا حتى الصباح عند رحيل أوباما عن بيته الأبيض، واستقبلوا بذراعين مفتوحين وجيوبٍ منتفخة، خلفه الرئيس دونالد ترامب.

اليوم انقلب المشهد، مع مجيء إدارة لا تقيم وزناً لحقوق الانسان والديمقراطية، ولا يبدي رئيسها إعجاباً وولهاً (يصلان درجة العشق والغرام) إلا إزاء قادة دكتاتوريين وفرديين، من نمط كيم جونغ أون على سبيل المثال لا الحصر.

اليوم، وبتأثير إيديولوجيا عقائدية «إنجيلية – متصهينة»، يجري الانقلاب على إرث جمهوري – ديمقراطي سابق، وتحتل إيران – لدوافع إسرائيلية – مكانة الأولية في قائمة مهددات الأمن القومي الأمريكي. ويصبح «الإسلام الشيعي» هو الخطر الماحق والتهديد الماثل.

الاستراتيجية الجديدة، لم تسقط «داعش» وأخواتها من قائمة التهديدات والمهددات، فهي ما زالت حاضرة وبقوة، لكن وزن التهديد «الإيراني – الشيعي» تقدم عليها في السنة الثانية من ولاية دونالد ترامب. وكل من يتتبع مواقف الرئيس وسياسات إدارته وإجراءاته، سيلمس حجم التحول في النظرة الأمريكية لتحدي التطرف وتهديد الإرهاب.

في الاستراتيجية الجديدة، حديث عن «البعد الإيديولوجي» في الحرب على التطرف والإرهاب، بيد أنه حديث ينطلق من «إيديولوجيا» أخرى متطرفة كذلك، مكوناتها الدينية، الإنجيلية والصهيونية، ليست خافية على أحد.

وربما لهذا السبب، فإنه محكوم عليها بالفشل الذريع، إذ أنها قمينة بحفز التطرف الإيديولوجي الإسلامي «السني والشيعي» على حد سواء، بدل أن تبدده وتستأصله من جذروه وبيئاته الحاضنة.

قد يقال الكثير في مدى نجاح استراتيجية أوباما أو فشلها. وقد يستمر هذا الجدل من دون انقطاع بين مؤيد ومثمن، ومعارض ومندد.

لكن من غير المشكوك فيه أن استراتيجية ترامب ستواجه الفشل المحتم، وستفضي إلى زيادة تأزيم المشهد الإقليمي وحفز التطرف والغلو، وإشاعة مناخات اليأس والإحباط المؤسسة لتفشي العنف والتطرف وتفاقم خطر الإرهاب.

  • عريب الرنتاوي كاتب صحفي أردني

المصدر: «الدستور» الأردنية

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة