إبراهيم الجبين ومحنة سوريا عبر “عين الشرق”

ثائر العبد الله3 مايو 2017آخر تحديث :
edfkkgdfgjsmcfdhndgrhufhgrnd
edfkkgdfgjsmcfdhndgrhufhgrndأطلّ الصحفي والكاتب السوري إبراهيم الجبين على السوريين مجددا عبر رواية “عين الشرق”، وهو الاسم الذي أطلقه الإمبراطور الروماني يوليان على العاصمة دمشق، العصية على التغيير كما يقول
الكاتب.
في هذا الحوار يتحدث الجبين عن لحظات المخاض وقسمات النص الوليد وما يحمله من رسائل، وعن مدى حضور دمشق في الرواية ليس “مادة للحنين والعواطف” بل باعتبارها مدخلا لفهم ما يجري اليوم في سوريا، إذ يصرّ الكاتب على أن ما يجري في بلاده شأن عالمي وحلّ تعقيداتها مهمة ثقافية.
وعبر مزج حذر بين التأريخ والمُتخيل، ووفق متوالية تسجيلية سينمائية، تبرز دمشق كفضاء مكاني وزماني لشخصيات كثيرة كابن تيمية واليهودي إلياهو ساسون، والداعية السوري الشهير أبو القعقاع والإسرائيلي إيلي كوهين وغيرهم، وكأن الكاتب يعيد صياغة الخيال والواقع لتفسير اللحظة الراهنة.
وفي ما يأتي نص الحوار.
إلى أي حدّ تعتبر أن “عين الشرق” أثارت الأسئلة الصحيحة في هذا التوقيت الحساس الذي يطغى فيه الدم؟ وأقصد الأسئلة حول الأسلوب غير التقليدي في بناء الرواية، والرسائل التي أرادت الرواية إيصالها للمتلقي.
– الاستقبال الحافل الذي حظيت به الرواية، أردّه -عادة- ليس لاسم الكاتب أو شهرته أو لعبقرية النص، أو كل هذه الأوهام التي تصيب بعض الكتاب بعد نجاح أحد كتبهم. بالنسبة لي ما راقبته ورصدته، هو الأسئلة التي أثارت إعجاب القراء، فأقبلوا للبحث عن المزيد منها، وعن إجابات لها محتملة الوجود في “عين الشرق”.
ولا شك أن عمارة الرواية ساهمت في هذا الأمر، والمحتوى المتضمن الذي أردته أن يكون على طبقات تتصل بطبقات وعي القارئ. وكثيرا ما أسمّي اللعبة بين الكاتب والقارئ في “عين الشرق” بالتجول داخل خلية نحل مهندسة بناها الكاتب حول نفسه بأشكالها الثمانية الفراغية، وأدخل إليها قراءه. لكن إن أردت الدقة، الجواب: لا. ما يزال هناك الكثير من الأسئلة داخل النص، لم يلتفت إليها من كتبوا حول “عين الشرق” وعوالمها. ولكن هذا يتطلب المزيد من الوقت.
ما الذي دفعك إلى البدء في إنجاز “عين الشرق”، لتكون رواية عن دمشق وكل هذه الشخصيات من ابن تيمية إلى محمود قول أغاسي، ومن ألويس برونر إلى إيلي كوهين، أيّ الأفكار والصور التي كانت تُلح عليك للبدء في رسم ملامح الرواية، لحظات المخاض إن صح التعبير؟
– اللحظة هي اللحظة السورية المديدة التي تواصلت واستمرت وثبتت منذ أن بدأ تعطيل حياة السوريين، ليس فقط عن الفعل السياسي، بل عن الإبداع والخلق والتأثير، وهو أكثر ما برعوا به عبر تواريخهم كلها. فهم ليسوا تجارا -كما يقال عنهم- وحسب، بل هم صانعون وشغيلة ومهندسو عوالم، سواء في صناعاتهم الدقيقة التزيينية أو في العمارة الساحرة التي نقلوها إلى العالم، كما في حالة المهندس أبولودور الدمشقي الذي بنى روما القديمة.
وهذا بالضبط ما أراد الاستبداد أن يحرمهم منه: القدرة على الإشعاع والتأثير، وهو دور دمشق حضاريا عبر العصور. الحالة السورية محيرة نعم، لأنها لا تدرك هذا، ولأنها اختارت كل الخيارات إلا الوعي بدور دمشق ليس كمادة للحنين والعواطف، بل كآلة تمدين فريدة كبرى.
ما أردته أنا من استحضار تلك الشخوص، هو الحديث عن القادمين إلى دمشق، وما الذي فعلته هي بهم، وماذا كانوا يريدون من الهجرة إليها، وما حمولتهم المعرفية التي جلبوها معهم. اختلاط الواقع الشخصي بالعام، بالخيال الشخصي والعام، يساهم في إيصال الوثيقة، ويدفع القارئ إلى البحث عن حقيقتها، هل هي من نسج خيال الروائي أم هي وقائع بالفعل؟ لأن دوري ليس دور المؤرخ، لكن المؤرخ يتقاعس عن القيام بدوره، ودوري ليس دور الباحث، لكن الباحث يتقاعس عن القيام بدوره، والروائي والشاعر والصحفي وآخرين. فلنفعل هذا إذن أنا والقارئ بشكل مشترك. ما الذي يمنع؟
تزامن الزخم حول الرواية التي تحمل وصف الإمبراطور الروماني لدمشق (عين الشرق) مع توغل هو الأكبر للثوار داخل العاصمة دمشق، كيف كنت تتابع هذه الأخبار، وخصوصا حين زج النظام السوري بدباباته في ساحة العباسيين، أليست دمشق عكس ما رسمت لجهة استسلامها مثلا للطغاة والغزاة؟
– الإمبراطور يوليان جاء للدفاع عن سوريا أمام الغزو الفارسي، وهو الذي أطلق على دمشق اسم “عين الشرق”، وكان مفكرا مثقفا شكاكا، وقتل بخيانة على ضفاف الفرات. لكن ما ختمت به سؤالك عن دمشق والاستسلام أراه أحد الأوهام التي زرعت في الوعي العام، ساهم فيها كثيرون نظروا إلى دمشق بعدائية وحقد. ومنهم من يعيش بيننا الآن، يريد إخضاع المدينة لتغييرها، لكنها عصية على التغيير، وهذا ما لا يريد الطغاة ولا الغزاة الاقتناع به.
نظام الأسد نشر فيها الدبابات، وفعل فيها أكثر من هذا خلال عهدين منذ وصول حافظ الأسد إلى موقع قائد القوى الجوية ووزير الدفاع أواسط الستينيات وحتى عهد ابنه بشار الذي يحتل المدينة الآن ويترك الإيرانيين ليحاولوا تغييرها بالمزيد من الجهل والتخلف.
لا تنس أيضا، أن دمشق -وقد أكون الروائي السوري الوحيد الذي تحدث عن هذا- قاومت العديد من الذين حاولوا احتلالها فكريا وعسكريا معا، كالوهابيين، بنسختهم الأولى في القرن الثامن عشر، حين امتدت قواتهم نحو الشمال، واحتلوا مزيريب وغيرها وصعدوا إلى حمص وحلب وقاومت دمشق تقدمهم.
تعرية النخب الثقافية في دمشق بشكل صريح وصارخ، تجلى ذلك في الإضاءات على تاريخ الشاعر السوري المعروف أدونيس، إلا أنك حمّلت الدوافع الطائفية المسؤولية عن هذا الانحياز الصارخ لقَتلة الشعب السوري.
– تعرية النخب ليست من صنعي، بل الواقع السابق والحالي هو الذي عراها. فأي عريٍ أكثر بلاغة من أن يقف هؤلاء جانبا ليتفرجوا على الصراع الدائر بين الشعب من جهة وبين استبداد تواطأ بعضهم معه من جهة أخرى، أو شرعن له بعضهم الآخر الإبادة وقصف الجموع عبر احتقار المتجمع السوري واتهامه بالجهل والبربرية وتخويف العالم منه ووصفه بأنه إرهاب محتمل قادم، لا بد أن نحمي منه الأقليات وإسرائيل وغيرها.
النخب الثقافية التي أنتجها النظام هي الأسهل والأكثر بساطة، هؤلاء مكشوفون، مواقفهم متماهية تماما مع مواقف النظام، وهم مجرد موظفين في دوائر النظام المؤسساتية والأمنية والطائفية وغيرها. أي عري أكثر من أن يهلّل وينتظر بعض هؤلاء من الجهاديين أن يهزموا لهم نظام الأسد، بينما يقولون عنهم في الأروقة والاجتماعات السرية مع ممثلي الدول الغربية، كلاما معاكسا؟ أي عريٍ أكبر من أن ينسق بعض هؤلاء مع نظام الأسد بعد كل ما فعل، ويفتحوا معه قنوات سرية من تحت الطاولات، ليقينهم الوضيع بأن الثورة السورية قد هزمت.
أما حالة أدونيس، فهي مختلفة تماما. والقوس التي أردت رسمها -وكثيرا ما أكرّر هذا- تبدأ من موقف نبيل لفتى حافي القدمين سعى لمقابلة رئيس الجمهورية شكري القوتلي ذات يوم، وامتدحه بقصيدة، وطلب مقابل ذلك أن يتعلم، وهو ما لباه له القوتلي وتكفل بتكاليف تعليمه بمدرسة اللاييك في طرطوس.
كان هذا الموقف بداية القوس التي رسمتُها مع أدونيس، لكن نهاية القوس تصب على ما بني على تلك اللحظة وصعود الفتى عبر طبقات المعرفة، ثم انحطاطه أخيرا بعد عمر طويل ليلتصق بالاستبداد، ويطلق على الشعب السوري صفات التخلف ويتهمه بأنه خرج طالبا الحرية من الجوامع ويستعمل هذا دليل إدانة ضد المجتمع، إنما يعكس ليس فقط انحطاط أدونيس ولكن انحطاط حالة النخب السورية بغالبيتها.
وبالمناسبة مرّت مؤخرا ذكرى رحيل الشاعر العملاق نزار قباني، الأيقونة الدمشقية السورية، وهنا أستحضر قوله في حوار مع الإعلامي السوري مروان صواف حين زار دمشق قبل عشر سنين من وفاته، “أنا لا أهتم بما تسمّى النخبة.. من هي النخبة؟ هي نادي المنتفعين من الثقافة. ما يهمني هم الناس، والناس وحدهم”.
أليس هذا اختزالا أو تبسيطا للمنظومة أو النخب الثقافية التي أنتجها النظام خلال نصف قرن؟ وكيف كان رد فعل هذه الأوساط الثقافية على روايتك؟
– بالطبع لا يمكن ولا يصح التعميم. لكن انظر إلى المشهد، النخب منقسمة، بين مؤيد للدكتاتور المجرم، أو معارض له يبرر ما يفعله ويوافق عليه ضمنا، وبين معارض يقف باستحياء إلى جانب الاستبداد الديني الآخر الذي يمثله الجهاديون، ومعارض يوافق على ما يعلنونه من شعارات حول موقفهم من الديمقراطية ورفضهم للدولة المدنية.
هذا ليس عريا وحسب، بل فضيحة تاريخية. وأنا لم أبسط الأمور وأرد تلك الفضيحة إلى الحالة الطائفية فقط، كما جاء في سؤالك السابق، بل إلى حالات فكرية متجذرة. فمن لا يثق بالشعب السوري، ينطلق من نظرة استشراقية تحكم على الجموع أحكاما مسبقة. ومن يقف مع الظلاميين من كل ملة ومذهب، لا ينطلق من منطلق إيماني، وإنما من “صغار تاريخي” يعبّر عن تبعيته لمن غلب، وليس لمن هو على حق.
أما عن رد فعل الأوساط الثقافية السورية على الرواية، فأظنه كان فوق التوقعات بالنسبة لي. وهذا يؤشر على أن حالة التأفف من تواطؤ النخب السورية، ليس حالة فردية لدي، بل يشاركني فيها الكثيرون، سواء كانوا من منتجي المعرفة أو من متلقيها ومتداوليها.
تضمنت الرواية الكثير من الإحالات الواقعية والسياسية تدفع القارئ للجزم أن “عين الشرق” وثيقة تاريخية قبل كل شيء، ألا يغدو برأيك هنا المزج بين الواقعي والمتخيل، وبين التاريخ والتصورات الشخصية أمرا خطيرا وخصوصا في هذه المرحلة؟
– نعم. من يدري؟ هذا رهن بقدرة القارئ على الاستسلام للنص، وتصديق ما جاء فيه واعتباره وثيقة، أو تحليله وفرز المتخيل منه عن التوثيقي. هذا المزج بالفعل أمرٌ خطير، لكنه يدخل في نطاق حرية الكاتب واختياره لأدواته في البناء والرسم والهندسة والتأثير والخطاب. هو مغامرة خطيرة، فقد لا يصدقك أحد حين تذكر وقائع تشبه الخيال كانت تجري في بلادنا سوريا، ولكنها حقائق قائمة وآثارها ما تزال موجودة.
أنت أمام مكان جوهري في الشرق، وفي العالم، له أهميته الكبرى لدى جموع الشعوب، ومنه خرجت الأديان والثقافات وعمت العالم، وعنه قال الفيلد مارشال إدموند ألينبي قبل مئة عام فقط “من لا يحتل دمشق، لا يمكنه أن يقول عن نفسه إنه قد فتح المشرق”.
العبث الكبير الذي تعرضت له دمشق وسوريا منذ الستينيات وحتى الآن جدير بالبحث وإعادة الكتابة، وهو تاريخ قريب يؤثر في كل شيء. إذ لا يمكنك -دون فعل هذا- أن تفهم ما يجري اليوم، وبالتالي ستبقى عالقا في التأويلات والتخرصات. بالنسبة لي أعتبر دون تردد، أن سوريا مسألة ثقافية، وأن ما يجري فيها شأن ثقافي عالمي، وأن حل تعقيداتها مهمة ثقافية أيضا. بما تعنيه كلمة ثقافة من معنى، غير سطحي وغير وظيفي مستهلك.
من هم “حراس الأرض” في الرواية، وخارجها، وهل ثمة أسماء بينهم تتصدر المشهد الثقافي السوري الموالي للنظام؟
– “حراس الأرض” مجموعة من الكتاب العلويين، سكنوا دمشق، فقراء جاء الواحد منهم من هذه القرية أو تلك في الساحل السوري، ليعيشوا في دمشق طلابا ثم موظفين أو صعاليك، لكن بقيت بينهم تلك الرابطة القروية التي حملوها معا كعلامة، بالطبع هذا لا ينطبق على كل من جاء من الريف إلى دمشق، ولا ينطبق على كل علوي أو مسيحي أو سني أو أي شيء من هذا، هذه حالة خاصة حقيقية.
المهم أن هؤلاء تفرقت بهم السبل لاحقا، فصار بعضم مسؤولا كبيرا، وآخر عضوا في مجلس الشعب، وآخر أصبح شاعرا شهيرا ورئيس تحرير ومنهم من أصبح روائيا معروفا، بعد أن قاتل مع قوات الأسد في لبنان وقتل بشرا بالسلاح الأبيض، وآخر احتل قطعة أرض وبنى عليها بيتا في بساتين المزة من الأراضي التي صادرها رفعت الأسد ومنحها لجنوده في سرايا الدفاع، المليشيا التي حكمت سوريا ذات يوم.
تعددت مصائر أعضاء جماعة “حراس الأرض” لكنهم بقوا أصدقاء، وبقيت صلاتهم وثيقة. وقد أظهرت بعضهم وأخفيت البعض الآخر في الرواية، من أجل “لعبة البازل” مع القارئ، ليملأ بنفسه ما غاب عنه، وليتشكل من خلال معرفته الذاتية وما سمعه وعاينه شخصيا، تصور خاص به، لا خاص بي.
الإرهاب الأسدي الذي تعرضنا له لم يتوقف فقط على الحريات العامة، بل تجاوز هذا إلى الاعتداء على القيم العامة والممتلكات والثقافة والمكان والتاريخ والإنسان. وهذا يجب أن يرصد ولذلك حاولت رصده دون تردد.
من حران ودير الزور إلى دمشق، والتماهي بينك وبين ابن تيمية (كإحدى شخصيات الرواية)، وعلاقتكما بدمشق والسجن، لماذا الحديث عن الرجل في هذا الوقت خاصة أن اسمه يحضر بالمشهد السوري عبر عشرات المشاريع والتشكيلات الإسلامية الجهادية؟
– أعتقد أن الأمور ستختلف كثيرا حين ننزع هذا الفتيل من أيدي التكفيريين من الأطراف كلها. السجن الذي تسأل عنه، وكنا ولم نزل فيه ابن تيمية وأنا وآخرون، هو سجن الجهل والأحكام المتسرعة التي يتبناها الآخرون عشائريا.
سيكون من السهل بعد ألف سنة أن يقول قائل عنك وعني “لقد كانا إرهابيين متطرفين”، وربما وجد من يصدقه. أما اليوم، فكثير من الناس يعاتبونني على استخدام رموز “أموية” مثلا في الكتابة، وكأن العلة في الاسم وليس في الوعي الذي يستقبله بحساسية.
هناك من يتحسس من معاوية مؤسس أول دولة عربية لا دينية، بالمقابل كانت دولة “علي” دولة الانحياز للتطرف الديني. لا شك أن من يتحسس من ذكر “معاوية” هو طائفي حاقد، لديه ثأر مع الرجل، وليس فقط مع الماضي، بل مع هذه اللحظة. فليحاسبوا أنفسهم قبل الحديث عن المستقبل.
في الوقت الذي نتحدث فيه عن دولة القانون والديمقراطية وصناديق الاقتراع، ترتفع أصوات بعض “مدّعي العلمانية”، ممن يلبسونها كقناع لستر طائفيتهم أو نفاقهم أو رخاوتهم، أو خدمتهم لبعض السلطات والمحاور هنا أو هناك، بالحديث عن حماية الأقليات ومراعاة شعورها. ولا نعرف في دولة القانون فارقا بين أقلية وأكثرية، فلكنا أفراد متساوون حينها تحت قانون واحد.
كيف تقرأ احتفاء إحدى شخصيات روايتك (القاضي العسكري الذي حقق معك فعلا حول أعمالك السابقة قبل الثورة) أو الشكر الموجه لقراء الرواية الذي خطه العاملون في أحد المستوصفات الطبية التي خصصت ريع بيع الرواية لها؟
– أشعر أن هناك أدوارا علينا القيام بها غير المطالبة بالمساعدات، بل بتقديم تلك المساعدات بأنفسنا، ولا يعفينا إن كنا كتابا أو فنانين عن القيام بهذا الواجب. أنا لا أنتظر من أعمالي الأدبية ريعا ماليا لأعيش أنا وأسرتي، عملي الصحفي يكفي.
ولذلك أردت أن يتشارك معي القراء في فعل واحد يصب مباشرة في خدمة الناس في الداخل السوري دون استعراضات. وقررت أن ريع الرواية سيذهب لصالح جمعية لينداو الألمانية السورية من أجل الطفولة، وبهذا جعلت من روايتي جسرا بين الناس والناس.
أما القاضي المقدّم (الرائد حين حقق معي) حسن عبيد، فقد انشق عن نظام الأسد بعد أن كان قاضيا عسكريا في دمشق، وفي القضاء العسكري كانوا ينظرون في قضايا إهانة مؤسسات الدولة وتحقير رئيس الدولة وإثارة النعرات الطائفية وغيرها، وهي تهم كانت موجهة لي شخصيا وحوكمت عليها على مدى ثلاث سنوات وزيادة في دمشق. وكان يمكن أن تؤدي إلى سجني لولا تدخل القاضي النزيه الذي لم يكن يعرفني شخصيا وقتها، ولذلك فقد ساعدني حتى دون أن يخبرني، وبعد سنوات طويلة، اعترف لي بهذا.
وأنا ممتن له لموقفين: الأول هو ما ذكرته، والثاني هو انشقاقه عن جيش الأسد وانضمامه للجيش السوري الحر. وصلتني صور مذهلة، صورها قراء “عين الشرق” في الداخل السوري، في مناطق سيطرة حزب العمال الكردستاني في عامودا وغيرها، وفي مناطق سيطرة الإسلاميين، وفي الغوطة وفي دمشق ذاتها. هذا يعني أن الرسائل تصل.
أحد النقاد وصف أسلوبك في الكتابة باللؤم الفني، ما الغاية من هذه القبضة الحديدة التي أمسكت بها شخصيات الرواية وقراءك؟
– الحقيقة أن القبضة التي تتحدث عنها، ليست قبضتي، بل قبضتك أنت كقارئ، وهذا ما أنا واثق منه تماما. فالعلاقة التي تنشأ كل مرة ما بين القارئ وأحداث “عين الشرق” تتوقف على ولعه بالتفاصيل. وسعيه إلى اللحاق بالفكرة والمعلومة، والشخصيات التي غالبا ما تشكل فضاء يعرفه سلفا، يبدأ من بسطاء الناس ويمر بالنخب والزملاء ولا يتوقف عند الشخصيات العامة ذات التأثير الكبير في واقعنا.
لا أعرف لماذا “لؤم فني”؟ وأعترف أن الكتاب لم يكتب بقسط كبير من “حسن النية”، بل كان مقصودا في كل جزئية من جزئياته. لا تجد المقتطفات نافعة، لأنك لم تعد مقتنعا بالصور، بل بمشهد كامل ساهمت أنت بصناعته بعد قراءة الرواية. لك حصتك من تأليفه.
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة