أمريكا تنسحب من اتفاقية دولية لتجنب دعوى قضائية فلسطينية

الساعة 2513 أكتوبر 2018آخر تحديث :
أمريكا تنسحب من اتفاقية دولية

أمريكا تنسحب من اتفاقية دولية لتجنب دعوى قضائية فلسطينية

 

رشا أبو جلال

 

أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في 3 أكتوبر الجاري، انسحابها من البروتوكول الاختياري لاتفاقية فيينا للعلاقات الديبلوماسية لعام 1961، الذي ينص على إنشاء محكمة العدل الدولية باعتبارها صاحبة الولاية القضائية الإلزامية للحكم في التنازعات بين الدول الأطراف فيها حول المعاهدات والاتفاقيات الدولية.

وقال جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي للصحفيين في البيت الأبيض: إن انسحاب أمريكا “يتعلق بقضية رفعتها ما يسمى بدولة فلسطين التي تصف الولايات المتحدة بأنها متهمة وتتحدى نقلنا سفارتنا من تل أبيب إلى القدس”.

وكان وزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني رياض المالكي قال في بيان صادر عن الوزارة بـ29 أيلول/سبتمبر من عام 2018: إنّ السلطة الفلسطينيّة رفعت دعوى قضائيّة ضدّ أميركا لانتهاكها القانون الدوليّ بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس.

وأوضح أنّ السلطة استندت في قضيّتها على عضويّتها في اتفاقيّة فيينّا للعلاقات الديبلوماسية لعام 1961 التي تنص على ضرورة تسوية المنازعات بين الدول الأطراف فيها حول أي معاهدات أو قرارات دولية، بالطرق السلمية ووفق مبادئ العدالة والقانون الدولي.

واعتبر المالكي، في بيان صادر عن الوزارة في 4 أكتوبر الجاري، هذا الانسحاب الأمريكي، ازدراءً أمريكياً للقانون الدولي. وقال المالكي في البيان: إن الإدارة الأمريكية تواصل “دعم المشروع الاستعماري الإسرائيلي بلا هوادة وعدائها لفلسطين والشعب الفلسطيني، على حساب حماية مكانة المعايير الدولية وهيبتها”.

وتنصّ المادّة 36 من النظام الأساسيّ للمحكمة على أنّ ولايتها تشمل “المنازعات القانونيّة المتعلّقة بالمسائل الآتيّة: تفسير معاهدة من المعاهدات (الدوليّة) أيّ مسألة من مسائل القانون الدوليّ، تحقيق واقعة من الوقائع التي إذا ثبتت كانت خرقاً لالتزام دوليّ، ونوع التعويض المترتّب على خرق التزام دولة ومدى هذا التعويض”.

وتعتبر القدس الشرقيّة في المنظور الدوليّ أراضي محتلّة بموجب قرارات دوليّة عدّة، كان آخرها قرار مجلس الأمن رقم 2334 الذي أكّد عدم الاعتراف بأيّ تغيّرات إسرائيليّة في حدود 4 يونيو/حزيران من عام 1967، بما فيها القدس الشرقيّة، لذا فإن السلطة الفلسطينية تعتبر أن أمريكا اخترقت هذه القرارات الدولية، باعترافها بالقدس الموحدة عاصمة لدولة إسرائيل ونقل سفارتها إليها، وهو ما يمنح السلطة الفلسطينية الحق في اللجوء إلى محكمة العدل الدولية بموجب اتفاقية فينا، لمحاكمة أمريكا على خرقها للقرارات الدولية بخصوص القدس.

وتعتبر هذه الدعوى القضائيّة الأولى من نوعها، التي ترفعها السلطة الفلسطينيّة في محكمة العدل الدوليّة منذ توقيعها على اتفاقيّة فيينّا مطلع نيسان/إبريل من عام 2014، ضمن 15 معاهدة واتفاقيّة دوليّة أخرى وقّعتها السلطة، في إجراء رفضته إسرائيل واعتبرته “أحادي الجانب”.

وقال رياض المالكي لـ”المونيتور”: “إنّ الدعوى الفلسطينيّة تطالب محكمة العدل الدوليّة بإصدار أمر إلى أميركا بسحب قرار نقل سفارتها إلى القدس باعتبار أنّ القدس محتلّة بموجب القانون الدوليّ، وبإلزامها بالامتناع عن اتّخاذ أيّ خطوة مستقبليّة مشابهة باعتبارها غير قانونيّة”.

وأوضح أنّ السلطة سلكت الخطوات القانونيّة كافّة، وصولاً إلى تقديم هذه الشكوى إلى محكمة العدل الدوليّة، إذ وجّهت رسالة إلى وزارة الخارجيّة الأميركيّة مطلع أيّار/ مايو من عام 2018 تطالب بعدم نقل سفارتها إلى القدس باعتبار ذلك خرقاً لقرارات مجلس الأمن حول القدس. ولكن في ظلّ عدم تجاوب الإدارة الأميركيّة مع هذه الرسالة، وجّهت السلطة مذكّرة خطيّة إلى وزارة الخارجية الأميركيّة في 4 تمّوز/ يوليو من عام 2018، تفيد بوجود نزاع قانونيّ بينهما، وقال: “الآن، وبعد التزام السلطة باتّباع هذه الإجراءات، لم يعد أمامنا سوى رفع قضيّة رسميّة إلى محكمة العدل الدوليّة لمقاضاة أميركا”.

ويقول الخبير في القانون الدولي صلاح عبد العاطي وهو مدير فرع المركز الفلسطينيّ لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجيّة “مسارات” في قطاع غزّة، لـ”المونيتور”: “إن محكمة العدل الدولية تفصل في النزاعات التي تحدث بين الدول الأطراف في اتفاقية فيينا، والموقعة على البروتوكول الاختياري الذي يمنح المحكمة الولاية القضائية الإلزامية للحكم في التنازعات بين الدول الأطراف فيها، حول المعاهدات والاتفاقيات الدولية”.

وأضاف: “رغم الانسحاب الأمريكي من البرتوكول الاختياري لاتفاقية فيينا، والذي يعني بشكل مباشر عدم اعتراف أمريكا بمحكمة العدل الدولية وبقراراتها، إلا أن هذا الانسحاب لن يٌعمل به (لن يكون فاعلاً) إلا بعد مرور عام كامل من قرار اتخاذه، وهذا يعني أن السلطة الفلسطينية لا تزال قادرة على محاكمة أمريكا في محكمة العدل الدولية”.

ولفت أستاذ القانون الدوليّ المشارك في جامعة “الخليل” معتزّ قفيشة في حديث لـ”المونيتور” إلى أنّ فرص نجاح هذه الدعوى القضائيّة كبيرة، وتعتمد في الأساس على قرار المحكمة بقبول النظر بها، باعتبارها جهة الاختصاص أم لا.

أضاف: “المهمّ الآن أن تقبل المحكمة بالدعوى الفلسطينيّة. وعندها، ستكون هناك فرصة كبيرة أمام السلطة الفلسطينيّة لمحاكمة أميركا دوليّاً، خصوصاً أنّ كلّ المواثيق والقرارات الدوليّة حول القدس تشير إلى مخالفة أميركا لها بقرارها نقل سفارتها لدى إسرائيل إليها”.

وقال أستاذ القانون الدوليّ بجامعة القدس في مدينة أبو ديس حنّا عيسى خلال حديث لـ”المونيتور”: “في حال أقرّت محكمة العدل الدوليّة أنّها جهة اختصاص في الدعوى الفلسطينيّة، ستطلب بشكل فوريّ من أميركا التحفّظ على قرارها بنقل السفارة الأميركيّة إلى القدس وبوقف العمل فيها، ثمّ ستفتح المجال أمام الدولتين المتخاصمتين لتقديم مرافعتهما خطيّاً، وستنظر المحكمة في هذه المرافعات خلال مدّة تقع بين شهرين و6 أشهر، قبل إصدار قرارها النهائيّ”.

وبيّن أنّه في حال كان قرار المحكمة منحازاً للفلسطينييّن، فإنّها ستُلزم الولايات المتّحدة بسحب قرار نقل سفارتها من تلّ أبيب إلى القدس، وقال: “في حال رفضت أميركا قرار المحكمة، ستطلب المحكمة من دول العالم والمنظّمات والهيئات الدوليّة عدم التعامل مطلقاً مع هذه السفارة باعتبارها غير شرعيّة”.

بدوره، قال المحلّل السياسيّ والكاتب في صحيفة “الأيّام” الفلسطينيّة طلال عوكل لـ”المونيتور”: “إنّ هذا الإجراء الفلسطينيّ القضائيّ هو رسالة فلسطينيّة إلى أميركا تفيد بأنّ السلطة لم تخضع أو تنكسر بفعل وقف الدعم الأميركيّ لها (في تمّوز/يوليو من عام 2018)، ردّاً على إعلان السلطة وقف اعتبارها وسيطاً في عمليّة السلام، عقب قرار نقل السفارة”.

أضاف: “يمكن ترجمة هذا الإجراء القضائيّ سياسيّاً، على أنّه إصرار فلسطينيّ على رفض صفقة القرن الأميركيّة التي بدأت بالاعتراف بالقدس الموحّدة عاصمة لدولة إسرائيل”.

وأشار إلى أنّ السلطة تريد من خلال هذه الدعوى القضائيّة تحشيد الرأي العام العالميّ ضدّ أميركا والدفع بدول العالم إلى عدم التعامل مع السفارة الأميركيّة في القدس، مؤكداً أن الانسحاب الأمريكي من البروتوكول الاختياري لاتفاقية فيينا، “أظهر بشكل واضح للعالم أن أمريكا تمارس البلطجة السياسية ضد دول العالم بسبب تنصلها من التزاماتها تجاه الاتفاقيات والمعاهدات والقرارات الدولية”.

واعتبر أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة “النجاح” الوطنيّة بمدينة نابلس عبد الستّار قاسم الإجراء الفلسطينيّ ضدّ الولايات المتّحدة، “ردّاً قويّاً على نقل الولايات المتّحدة سفارتها إلى القدس”، وقال لـ”المونيتور”: “ولكن من شأن خطوة كهذه أن تثير المزيد من غضب ترامب ضدّ السلطة، وهذا قد يعني ذهابه إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات العقابيّة ضدّها لتشديد العجز الماليّ الذي تعاني منه السلطة، مثل الطلب من إسرائيل سنّ المزيد من القوانين الهادفة إلى استقطاع مبالغ ماليّة من أموال المقاصّة التي تجبيها كضرائب لصالح السلطة”.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة