«أصدقاء جدد وحلفاء جدد».. بصدق!

الساعة 2521 أغسطس 2018آخر تحديث :
زعماء دول مجموعة بريكس (الصف الأمامي) في صورة تذكارية بروسيا يوم 9 يوليو تموز 2015. (صورة مقدمة من طرف ثالث توزعها رويترز كما تلقطها كخدمة للعملاء) - رويترز
زعماء دول مجموعة بريكس (الصف الأمامي) في صورة تذكارية بروسيا يوم 9 يوليو تموز 2015. (صورة مقدمة من طرف ثالث توزعها رويترز كما تلقطها كخدمة للعملاء) - رويترز
  • التحدي أمام تركيا وسواها هو بناء قطب ثانٍ متعدد الرؤوس، يضع حدا للهيمنة الأميركية الفجة.
  • روسيا والصين ليستا “حليفتي” الشعوب المضطهَدة لكن لهما مصلحة في مقاومة “الأمر” الأميركي.
  • كيف الحيلولة دون خروج ترامب وعصابته الحاكمة في واشنطن منتصراً في “الأزمة” مع تركيا.

 

بقلم: نهلة الشهال

التحدي أمام تركيا وسواها هو بين السلوك الاستجدائي وإنْ مغلفاً بقشرة رقيقة من الكرامة الوطنية المجروحة والتهديدات الجوفاء لرفع معنويات الناس، أو الاتجاه الفعلي لبناء قطب ثانٍ متعدد الرؤوس، يضع حدا للهيمنة الأميركية الفجة والجشعة على العالم.

اللحظة لا تحتمل تمثيل الزعل أو التلويح بالتهديد دلعاً! ولا يمكن بالطبع لتركيا “ابتزاز” الولايات المتحدة بفكرة البحث عن حلفاء جدد. فهذا سلوك استجدائي في العمق، مغلف بقشرة رقيقة من الكرامة الوطنية المجروحة.

كما أن تذكير أميركا بأنها تسيء معاملة حليفها في الـ”ناتو” (أو حلف شمال الاطلسي) يرتدي هو الآخر لبوس العتب من قبل الضعيف المغدور!

بل أكثر من ذلك، لا يُفترض أن تكون الازمة الحالية بين واشنطن وأنقرة، سواء كانت أسبابها الاستمرار في احتجاز القس الأميركي في تركيا أو استعداد انقرة لشراء منظومة صواريخ روسية او الخلاف السياسي بشأن سوريا الخ..

أن تكون هي بذاتها محور المعركة أو نقطة ارتكازها، لأنها بهذا المعنى خاسرة وغير مجدية. فما يجري اليوم، سواء بخصوص تركيا (الحليف!) أو بخصوص إيران (التي انسحبت واشنطن وحيدة من اتفاق دولي معها جرى التوصّل إليه بعد سنوات وبشق الأنفس) يطرح بقوة مسألة تغيير العالم..

وقد جاءت الصدفة بترامب رئيساً للولايات المتحدة، لتفجير هذه المسألة ليس على مستوى تركيا وإيران، بل بما يخص مواضيع أكبر وأشمل كاتفاقية المناخ مثلاً التي يهدد تعطيلها ولو من طرف واحد – انسحاب واشنطن منها – مصير الكرة الارضية نفسها.. أو المسألة الفلسطينية..

لكن، هل هي الصدفة حقاً، وسيتم تجاوزها غداً وننسى الرجل و”قفشاته” (إذا لم يتسبب في الاثناء بحرب كبرى لا تُبقي ولا تذر)، أم هو مآل النيوليبرالية كما يفضي إليه منطقها – أو كما “ينبغي” له أن يكون – أم هي أزمة هذه النُظْمة وشكل اصطدامها بحدودها؟

.. وأما الآن، وبغض النظر عن التحليلات العائدة لهذه الاسئلة (وهي بالغة الأهمية بالطبع)، فالموضوع هو كيفية الحيلولة دون خروج ترامب ذاك وعصابته الحاكمة في واشنطن منتصراً في “الخناقة” مع تركيا.

بخصوص إيران، حدث ما يكفي من استفزاز للاتحاد الاوروبي صاحب المصلحة الرئيسية في الحفاظ على الاتفاق الدولي المتعلق بملف النووي الايراني، وبطله الأساسي أصلاً، حتى يُفترض أن المانيا وفرنسا وصحبهما هي من سيتصدى للعقوبات التي أعلنتها واشنطن من جديد على طهران، وعلى رأسها الحيلولة دون تصدير النفط الايراني الى العالم.

الاتحاد الاوروبي، علاوة على مصالح روسيا والصين التي تتضرر بشكل مباشر (ولعله مقصود أميركياً)، وهما من لم يخضع فعلياً لتلك العقوبات في ماضيها وقبل ذلك الاتفاق، ولديه بالتالي وحالياً كل الامكانات لاحباطها.

لا يمكن لمقولات مثل “التعامل البيني بالعملات الوطنية” (أي فعلياً الاستغناء عن الدولار)، أو تجنب كل التعاملات التجارية والنقدية مع الولايات المتحدة، أو التضامن بين الدول التي تهاجمها هذه الاخيرة وتخطط علناً وبكل عجرفة رسمية لاركاعها الخ.. وسوى هذه الاجراءات مما ذُكر في الايام القليلة الماضية، أن يكون مجرد تهويل، أو شعارات جوفاء لرفع معنويات الناس، وللتهديد بـ”خيانة” أميركا لو لزم الأمر. صحيح ما قاله المسؤولون الروس عن الحاجة لترتيب تفاصيل هذه التدابير بعناية، وبشكل منهجي ومحكم.

لكن صحيح أيضا أن هناك حاجة داهمة لولادة قطب ثاني متعدد الرؤوس، بما يتجاوز تجربة دول “بريكس” الخمس BRICS، (وهي الاحرف الاولى للبرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) التي مضى عليها الآن اكثر من عشر سنوات وتبدو وكأنها خبت، أو تعرضت لخضّات بسبب تغييرات سياسية هنا وهناك، أو للاستيعاب من النُظْمة العامة وهي لا تقف أصلاً خارجها..

وصحيح ان بلدان كبرى كروسيا والصين ليست “حليفة” الشعوب المضطهَدة بناء على سند ايديولوجي. ولكن الصحيح ايضا ان لها كما لسواها في العالم مصلحة في مقاومة “الأمر” الأميركي، ولا سيما حين يصبح فجاً بهذا الشكل وجشعاً الى هذا الحد.

.. وليُترك ترامب ساعتها مع بن سلمان وبن زايد ونتنياهو.. وجزر ميكرونيزيا (من رئيسها؟) وبعض التابعين في أوروبا الشرقية القابعين تحت أبط أميركا واسرائيل، أو بعض من استعادتهم المخابرات المركزية الأميركية من دول في أميركا اللاتينية.

  • د. نهلة الشهال كاتبة وناشطة لبنانية رئيسة تحرير «السفير العربي»

المصدر: السفير العربي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة