كيف نقيم سلوكيات أبنائنا بشكل صحيح؟

محمد كمال الشريف3 نوفمبر 2018آخر تحديث :
كيف نقيم سلوكيات أبنائنا بشكل صحيح؟

كيف نقيم سلوكيات أبنائنا بشكل صحيح؟

 

“يلجأ المجتمع غالبا إلى عدة أساليب من أجل دفع أفراده للإلتزام بتعاليم المجتمع وقناعاته، وقد تكون تلك القناعات متوافقة مع رؤوية الدين الإسلامي لتقويم سلوكيات الأفراد أو غير متوافقة معه، لذا لابد أن يتبادر إلى أذهاننا السؤال: كيف نقيم سلوكيات أبنائنا بشكل صحيح؟ وفي هذا المقال لـ د. محمد كمال الشريف، يستعرض الأساليب التي تتوافق مع الدين الإسلامي في تقويم أفراد المجتمع وهي اثنين…”.

الإقناع:

ولنضرب على ذلك مثلاً: شاب من أسرة ثرية مترفة في مجتمع التقاليد، يريد الزواج من فتاة صالحة لكنها من أسرة فقيرة، وعندما يعبر عن رغبته تقوم قيامة عائلته، (ماذا سيقول الناس عنا؟) (كيف نناسب ونصاهر هؤلاء الذين لا أصل لهم؟) ويغضب الأب الذي شعر بالتهديد لمكانته بين الناس فيما لو تم زواج ابنه من فتاة فقيرة، فيبعث بالأم إلى ابنها تحاول إقناعه لتثنيه عن عزمه، وقد تقترح عليه عروساً غيرها من الأسرة الفلانية التي تمتلك كذا وكذا من العقارات، أو التجارات.

ولقد أقر الإسلام أسلوب الإقناع، وتبناه، وسماه (عظة)، قال تعالى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} {النساء: 34{. لكن شتان ما بين قيم الجاهلية التي يريد مجتمع التقاليد أن يقنع أبناءه بها وبين عظة الإسلام؛ التي تذكر بالله، وتدعو إلى التقوى والاستقامة.

اقرأ/ي أيضا: لماذا ننجب أولادنا؟

الهجر:

هو وسيلة للضبط الاجتماعي تلجأ إليه بعض المجتمعات كعقوبة توقعها على فرد ارتكب مخالفة كبيرة لأعرافها، وتقاليدها، حيث يسمح المجتمع لهذا الفرد أن يبقى في المجتمع يعيش ضمنه، ويعمل فيه، ولكن لا يكلمه أحد أبداً.

وقد أخذ الإسلام بهذه الوسيلة كعقوبة في حقّ الثلاثة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تخلفوا عن غزوة تبوك دون عذر، والقصة باختصار هي أنه تخلّف كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية الواقفي – رضي الله عنهم- بالإضافة إلى بضعة وثمانين رجلاً من المنافقين والضعفاء عن غزوة تبوك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما عاد النبي صلى الله عليه وسلم من الغزوة ذهب إليه كل من تخلف يقدم الأعذار الصادقة والكاذبة، وهو يقبل منهم أعذارهم، إلا أن كعباً، ومرارة، وهلالاً ما كانت لهم أعذار، وما كانوا ليكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ الذي ما كان يخفى عليه أن أعذار من اعتذر إليه كان أغلبها كذباً؛ لذا قال صلى الله عليه وسلم عندما كلمه كعب بن مالك يُبيِّن له أنه تخلف دون عذر: (أما هذا فقد صدق، فَقُمْ حتى يقضي الله فيك).

ونتم القصة بمقتطفات من حديث كعب بن مالك نفسه الذي رواه البخاري في صحيحه في كتاب المغازي، إذ قال:
(… ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبنا الناس، وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض، فما هي التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، أما صاحباي فاستكانا، وقعدوا في بيوتهم يبكيان، وأما أنا فكنت أشبَّ القوم، وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق، ولا يكلمني أحد، وآتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه بردِّ السلام عليّ أم لا؟ ثم أصلي قريباً منه، فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إليَّ، وإذا التفتُّ نحوه أعرض عني، حتى إذا طال عليّ ذلك من جفوة الناس، مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي، وأحبُّ الناس إلي، فسلمت عليه، فوالله! ما ردّ عليّ السلام، فقلت يا أبا قتاد! أنشدك بالله هل تعلمني أحبُّ الله ورسوله؟ فسكت، فعدت له فنشدته فسكت، فعدت له فنشدته فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي، وتولّيت حتى تسوَّرت الجدار).

اقرأ/ي أيضا: هل نربي أبنائنا على الرياء؟

ويصمد كعب أمام إغراء ملك الغساسنة الذي بعث إليه برسالة يواسيه فيها، ويدعوه إلى الانضمام إليه. وتمرّ الأيام والليالي على تلك الحال.. يقول كعب: (… حتى كَمُلَتْ لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله عليه وسلم عن كلامنا، فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلةً، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله، قد ضاقت علي نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع بأعلى صوته: يا كعب بن مالك! أبشر، قال: فخررت ساجداً، وعرفت أنه قد جاء فَرَجٌ. وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا، وذهب قِبَلَ صاحبيَّ مبشرون، وركض إليّ رجلٌ فرساً، وسعى ساعٍ من أسلمَ، فأوفى على الجبل، وكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبيَّ، فكسوته إياهما ببشراه، والله لا أملك غيرهما يومئذٍ، واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنونني بالتوبة، يقولون: لِتَهْنِكَ توبة الله عليك… ).

إن الهجر بهذه الصورة عقوبة مؤلمة، بالغة الأثر في النفس، وقد كانت في حقّ الصحابة الثلاثة عقوبة أمر بها الحاكم، وكان يومها رسول الله صلى الله عليه سلم نفسه، ولم يدع الإسلام إلى اتباع الهجر مع العصاة بهذه الصورة كوسيلة شعبية، فإنكار المنكر ليس هجراً كما رأينا، وإن كان الإسلام قد دعا إلى استخدام نوع من الهجر مع الزوجة التي تخرج عن طاعة زوجها، ولا تستجيب للعظة، قال تعالى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} {النساء: 34{

اقرأ/ي أيضا: الإسلام ثورة وعدوها التقاليد

وقد فسر ابن عباس- رضي الله عنهما – الهجر في المضاجع ألا يجامعها، لكنه يضاجعها على فراشها، ويوليها ظهره (روى ذلك ابن كثير في تفسيره للآية)، فهذا الهجر ليس فيه الامتناع عن الكلام في الحياة اليومية، والإسلام اعترف أن المسلمين كبشر قد يختصم أحدهم مع الآخر، فيهجره، ولا يكلمه من التأثر مما ارتكبه في حقه من ظلم وإساءة، لكنه (أي: الإسلام) لم يدع إلى مثل هذا الهجر، إنما بواقعيته لم يسمح للمسلم أن يهجر مسلماً أكثر من ثلاثة أيام متواصلة، فقد روى البخاري في صحيحه في كتاب الأدب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تباغضوا، لا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاثة أيام).

وروي عنه أيضاً صلى الله عنه وسلم أنه قال: (لا يحل لرجلٍ أن يهجر أخاه فوف ثلاث ليالٍ يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام).

اقرأ/ي أيضا: مشكلة التقاليد مع الدين الإسلامي

لديك كنز من المعلومات في قسم بنون، ويرتبط باساليب فهم و تربية الاطفال و المراهقين، اذا كان لديك ابن او ابنه في سن الطفولة أو المراهقة او قريب من سن المراهقة، فمن المهم ان تتطلع على هذا القسم و به الكثير من المقالات المكتوبة بقلم المفكر الاسلامي واستشاري الامراض النفسية الدكتور محمد كمال شريف الرابط هنا

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة