الواقع العالمي

أحمد عزت سليم3 سبتمبر 2018آخر تحديث :
ديناميات الواقع العالمى
ديناميات الواقع العالمى

يشهد الواقع العالمى الآن تحولات متسارعة ودرامية يتصدرها ملف الإرهاب وخطر التطرف الذى بقدر ما بات عاملا يؤرق ويهدد الجميع، بقدر ما صارهو أداة عملية من أدوات السياسات الاستعمارية الغربية لتفكيك الأوطان وتحقيق أهدافها وتسيييد نفوذها وإعادة السيطرة على مقدرات الواقع العالمى، واستمرارا للحفاظ على المصالح الرأسمالية العالمية الغربية، والقضاء على ما تبقى من هوية الإنسان والوطن بعد سياسات العولمة التى استهدفتهما وضربت على عكس خطابها الدعائى بالدولة العالمية المندمجة وحدة الأوطان وقيم القوة والبقاء فى مواجهة الفوضى الخلاقة التى استهدفت تفكيك وتفتيت الدولة الوطنية وأمنها القومى ووحدتها الثقافية وخصوصيتها وتحقيق الإغتراب الكلى للذات الاجتماعية للمواطن والقضاء على الانتماء والوعى والعقل والثقافة التى تعمل فى إدراكه ووعيه وعقله، وغزوه وتسييد الهوية الغربية بأفكارها الأصولية والسطيرة على الآخر وإخضاعه لها والسيطرة عليه بخطاب المواطنة العالمية كبديل عن الوطن ومحتواه الكلى من دين وأصل وقيم وانتماء وذاكرة جماعية، ومن خلال الممارسات السياسية والاقتصادية الرأسمالية والثقافية والغزو الاتصالى الدعائى ياستخدام كافة وسائل تكنولوجيا الإعلام وتوظيف كافة أدوات الثقافة الرقمية من وسائل وشبكات وأجهزة الاتصال والتداول والبث والمعلومات والإنترنت وقواعد البيانات والمواقع وشبكات التواصل الاجتماعى. ولكن ليظل كما ترى سلوى بن جديد : أن المسارات نحو وحدة المشهد الحضاري العالمي لا تعبر عن إرادة الشعوب في ذلك، وإنما عن إرادة الأقلية الرأسمالية العالمية المالكة لوسائل الإنتاج . ولتبقى إردة الشعوب أقوى من إرادة أية محاولات للغزو.

 

1 ـ 1 ـ إن حقائق الغزو الأمريكى والغربى التى جرت على الحقيقة فى العالم العربي ومناطق أخرى من العالم أسقطت الدعاوى الأمريكية والغربية فى توحد العالم تحت عباءة العولمة ، وأن العناصر الأصولية الأمريكية والغربية والتي سيطرت على الحكم فى بلادها كتعبير عن إرادة الناخبين هناك، أثبتت أنه لايوجد هناك ثقافة واحدة يمكن أن تجمع العالم فى يوم من الأيام وفى وقت ما ، بل إن هناك ثقافة تحرك السلاح ويحركها ضد الآخرين وتبتغى أن تسيد نفسها على العالم باتساع رقعته الجغرافية من خلال الرؤى والممارسات الأحادية للنظام الرأسمالي بقيادته الأمريكية فيما يعرف بـ” النظام العالمي الجديد ” ، وحيث حولت معظم حكومات وأنظمة هذا العالم إلى أدوات خاضعة أو تعمل بكونها “منظومات أمنية محلية” أو “شرطة مرتزقة” لصالح هذا المركز أو شريكة لها من الدرجة الثانية لنظامها الإمبريالي الأمريكي الذي يستهدف تكريس المنهج العسكري أو عولمة السلاح كأداة رئيسية للسيطرة وتوظيف قضايا “الديمقراطية” و “حقوق الشعوب” لصالح الخطة الأمريكية عبر الخطاب الموجه للرأي العام من ناحية وبما يساهم في تخفيض بشاعة الممارسات الأمريكية من ناحية ثانية ، وفق ما يرى المفكر د. سمير أمين. ويؤكد قول فوكوياما ـ فى هذا الإطارـ أن البلدان التي تنتمي فقط إلى الحضارة الغربية هي التي يجب أن تؤكد سيطرتها على العالم كله، على قاعدة السادة والعبيد ، لأن بلدان العالم الثالث عموما- حسب فوكوياما – ستكون مصدراً يهدد الحضارة الغربية، سواء بشعارات التطرف القومي أو الديني أو بالأوبئة والأمراض والتخلف ، وبالتالي لابد من إخضاع العالم الثالث باعتبارهم ” أعداء الغد ” ويؤكد ” روبرت شتراوس هوب” في كتابه ” توازن الغد ” الصادر عام 1994م ، إن ” المهمة الأساسية لأمريكا توحيد الكرة الأرضية تحت قيادتها ، واستمرار هيمنة الثقافة الغربية ، وهذه المهمة لابد من إنجازها بسرعة في مواجهة نمور آسيا وأي قوى أخرى لا تنتمي للحضارة الغربية ” ، ويستطرد ” أن مهمة الشعب الأمريكي القضاء على الدول القومية ، فالمستقبل خلال الخمسين سنة القادمة سيكون للأمريكيين ، وعلى أمريكا وضع أسس الإمبراطورية الأمريكية بحيث تصبح مرادفة ” للإمبراطورية الإنسانية ” ! وانطلاقا من الفكر الأمريكى الذى أسس له عالم الاجتماع الأمريكي ويليام ج.سومر w.g summer عام 1906 في كتابه الموسوم FALKWAYS . بتأصيل مفهوم العرقية المركزية التى تقول إن الجماعة التي تنتمي إليها هي مركز الأشياء كلها , وإن الجماعات الأخرى تقاس وتقوّم مقياساً إليها ، وكل جماعة تغذيّ كبرياءها وغرورها وتزعم أنها الأفضل , وتمجّد آلهتها الخاصة بها وتنظر إلى الآخرين باحتقار . وتظن كل مجموعة أن أعرافها (FALKWAYS) هي وحدها الجيدة وتنظر إلى الآخرين بعين الاحتقار.

 

أما ” ألفين توفلر ” الباحث السوسيولوجي الأمريكي المستقبلى – يتوصل في كتابه ” الموجة الثالثة ” إلى تعريف مغاير لهذا التحول العالمي المعاصر ، ويرى فيه ” ثورة كونية جعلت العلم لأول مرة في تاريخ البشرية قوة أساسية من قوى الإنتاج تضاف إلى الأرض ورأس المال والعمل ، وأن المشاركة في هذه الموجة أو هذا التحول مشروطة بإنتاج المعلومات والمشاركة فيها عالمياً من أجل تنمية ” الذكاء الكوني ” ، نحن إذن أمام حالة من ” الوعي الكوني ” أو العولمة الفكرية في مواجهة الوعي الوطني والوعي القومي في الوطن العربي والعالم الثالث ، تقوم على مبدأ ” البقاء للأصلح ” أو الأقوى في وطن عالمي بلا حدود ” ، وأثبت ذلك أن العولمة ليست مجرد آلية من آليات التطور بل أيدولوجبة تعكس إرادة الهيمنة على العالم والعالم الأضعف ومنه العالم العربى خاصة،وخاصة أن حدود الدول الغربية الاستعمارية لايمسها ماس أو شيطان على عكس الحدود المستباحة للدول الأخرى!

 

وكما يرى “ألفين توفلر” في كتابه السلطة الجديدة: “إن ديناميكية العولمة بقدر ما تقرب أرجاء المعمورة بعضها من بعض وتفسح المجال أمام هوية كونية غير مسبوقة، تستهدف في الآن نفسه وحدة الكيانات الوطنية” ، لكنها قد ارتدت مسوح براقة .. حقوق الإنسان وقبول الآخر والدفاع عن الأقليات والعرقيات ..، بينما هى تحمل بقوة البث الفضائي والبث الرقمى الأوبئة القاتلة من الأكاذيب والإباحية وثقافة العنف والسخرية والاستهزاء من القيم والأخلاق التى تميز الأمم عن بعضها البعض . ، ويضيف إلى ذلك غازي الصورانى فى رؤيته عن تأثيرات العولمة فى العلاقات الدولية الراهنة بأنه تم إسقاط العديد من القواعد المستقرة في إدارة العلاقات الدولية، بدءا من هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمؤسسات الدولية الأخرى، وصولا إلى تفريغ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي من مضامينهما الموضوعية الحيادية، يشهد على ذلك عجز “الأمم المتحدة” عن وقف العدوان والتدمير الأمريكي الصهيوني في العراق وفلسطين وسوريا وليبيا ولبنان بل أداة مبررة لفرض الحصار وتدمير البنية التحتية للدول كما حدث فى ليبيا من قبل حلف شمال الاطلنطى بحجة دعم الثورة الليبية ضد القذافى، في مقابل تواطؤ وخضوع الاتحاد الأوروبي وروسيا واليابان للهيمنة والتفرد الأمريكي في رسم وإدارة سياسات ومصالح العولمة الرأسمالية في معظم أرجاء هذا الكوكب، وفي بلداننا العربية والإقليم الشرق أوسطي خصوصاً، لإعادة ترتيب المنطقة الشرق أوسطية وتفكيكها وإخضاعها بصورة غير مسبوقة للسيطرة الأمريكية، وعبر دور متجدد تقوم به دولة العدو الإسرائيلي في محاولتها لضرب وتصفية قوى المقاومة في فلسطين ولبنان بصورة بربرية، وتحت مسميات حقوق الإنسان والدفاع عن الإقليات يدخلون الآن لتوظيفها لتفتيت الشعوب العربية ودعم حركات التطرف، ويبين الخبير الإستراتيجي الإسرائيلي الصهيوني تسيفي مزائيل سفير تل أبيب السابق لدى القاهرة فى دراسة إسرائيلية ونشرها المركز الأورشليمي للدراسات السياسية والإستراتيجية ،عن السعى الصهيونى فى تفكيك الدول العربية وتهديدها بالأقليات مثل قضية الأكراد في العراق وتركيا، باعتبارها مجالاً خصباً للتدخل الإسرائيلي، في ملف الأقليات بمنطقة الشرق الأوسط وفي قضية الأقباط في مصر، باعتبارها الورقة الرابحة للضغط على مصر للالتزام باتفاقية ” كامب ديفيد” التي تقيد مصر وتمنعها من ممارسة كامل سيادتها على أرضها وكذلك على قرارها السياسي، والأمازيج في دول شمال أفريقيا , حيث أشار فى دراسته ، إلى أن هؤلاء عاشوا طوال القرون الماضية تحت (الاحتلال) العربي، على الرغم من أنهم (السكان الأصليون) في شمال أفريقيا، التي تضم الجزائر والمغرب وليبيا، وفى دعوة لتأييد سعيهم للاستقلال والانفصال .ولقد أدى إفراغ ميثاق الأمم المتحدة من مضامينه التي أجمعت عليها دول العالم بعد الحرب العالمية الثانية على أثر هزيمة النازية ، إلى أن أصبحت الأمم المتحدة – اليوم- غير قادرة على ممارسة دورها السابق الذي تراجع بصورة حادة لحساب التواطؤ مع المصالح الأمريكية ورؤيتها السياسية ، بحيث أصبحت هذه العلاقات محكومة لظاهرة الهيمنة الأمريكية المعولمة، أو لهذا الفراغ أو الانهيار في التوازن الدولي الذي أدى إلى بروز معطيات جديدة في هذا الكوكب.

تابع : ديناميات الواقع العالمى الذى يحيط بالثقافة الرقمية (1-2)

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة