العقوبات الأميركية على إيران: أبعاد وآفاق

محرر الرأي10 أغسطس 2018آخر تحديث :
خروج أوروبا

خروج أوروبا من إيران سيفتح الباب أمام العملاق الصيني الذي سيحل مكان الشركات الأميركية والأوروبية.

مطلوب توازن قوى جديد يقلل قدرة أميركا على فرض العقوبات وترتيبات أمنية مع الاتراك والناتو وأوروبا والصين لئلا يكون الخليج واحة أميركية.

المواجهة العسكرية مستبعدة فأميركا بحالة اهتزاز وتتبع سياسة العصا الغليظة مع الدول الخارجة عن سياساتها: أي مزيد من العزلة الأميركية.

حافز انسحاب ترامب من الاتفاق النووي ليس التدخل الإيراني بسوريا والعراق واليمن، بل سياسة إيران تجاه إسرائيل وبرنامجها الصاروخي وتواجد قواتها قرب الحدود في سوريا.

بقلم: شفيق ناظم الغبرا

بدأت العقوبات الأميركية الجديدة على إيران هذا الاسبوع، وهذا يعني أن إدارة الرئيس ترامب قررت السير في طريق محفوف بالمخاطر مع دولة إسلامية أخرى. هذه العقوبات هي نتيجة انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني.

وكانت إيران قد وافقت بعد مفاوضات شاقة مع كل من الصين، وروسيا، وأميركا، وفرنسا، وألمانيا وبريطانيا على ذلك الاتفاق في العام 2015. واستهدف الاتفاق النووي مع إيران منعها من تطوير قدرات نووية عسكرية.

لكن الواضح أن الذي حفز ترامب للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني لم يكن السلوك الإيراني في سوريا والعراق واليمن، بل سياسة إيران تجاه إسرائيل والتي تتضمن تصنيعها لصواريخ بعيدة الأمد في ظل تواجد حقيقي لقواتها قرب الحدود في سوريا.

هذه المرة لا يوجد حد أدنى من الإجماع على العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، لهذا تواجه الولايات المتحدة معوقات عدة في سياستها الراهنة تجاه إيران. فأوروبا تعارض العقوبات على إيران، وترى أن السلوك الأميركي مضر للسلم العالمي.

سلوك ترامب تجاه دول شتى منها كندا والمكسيك والصين وأوروبا ضار بالأمن العالمي والتجارة والإستقرار. كما وتعارض كل من روسيا والصين وتركيا العقوبات على إيران. يتطلب نجاح العقوبات إجماعا دوليا، وهذا ضعيف منذ البداية.

ويمكن القول إن أوروبا تعاني من ضغوط كبيرة. فهي من جهة تمتلك شركات ضخمة لديها مصالح في الولايات المتحدة كما وفي إيران، لكنها بنفس الوقت مستاءة من سياسات أميركية أدارت ظهرها للتحالف الأميركي الأوروبي.

وقد تفضل أوروبا (على مضض) مصالحها الأميركية فتنصاع للضغوط الأميركية. لكن خروج أوروبا من إيران سيفتح الباب أمام العملاق الصيني الذي سيحل مكان الشركات الأميركية والأوروبية.

إن سياسة ترامب تصب في طاحونة الشركات الصينية التي ستكون سعيدة بملء الفراغ الذي ستتركه الولايات المتحدة وأوروبا في إيران.

إن العقوبات المفروضة منذ السابع من اب/اغسطس 2018 على إيران ستشمل مواد وتجارة وتبادلات مالية، لكن العقوبات الأشد ستبدأ في تشرين الثاني/نوفمبر القادم لأنها ستشمل منع تصدير النفط.

لكن في المقابل ستقوم دول كالصين والهند وربما تركيا بشراء النفط الإيراني، وهذه دول في أغلبها لن تنصاع لنظام العقوبات الأميركي في كافة المجالات. كما سيكون التبادل المالي بعملات صينية وإيرانية وعملات لا تخضع للنقد الأميركي هو السائد في التعاملات المالية الجديدة.

وهناك عامل لم تأخذه الادارة الأميركية بعين الاعتبار. فإيران خبيرة في التعامل مع العقوبات والتهرب منها، وهي بامتدادها في العراق وسوريا ولبنان واليمن ومناطق أخرى ستنجح في إدارة عملية التهرب من العقوبات.

وعلاقاتها الدائمة بدول الشرق الاوسط والعالم وبعض دول الخليج يفتح لها المجال للتهرب من العقوبات بما في ذلك التهريب والاسواق السوداء.

في السابق افادت العقوبات إيران لأنها نجحت (في ظل العقوبات) القديمة في بناء مشروعها النووي واقتصادها والكثير من صناعاتها. العقوبات في التاريخ الحديث لم تغير سياسة، بل إن العقوبات ضارة بالولايات المتحدة، التي ستفقد مزيدا من مصداقيتها الدولية.

وقد فرضت العقوبات سابقا على إيران من قبل الولايات المتحدة منذ 1979 بعد قيامها باحتجاز الرهائن في السفارة الأميركية، وتحول الأمر عام 1995 لحظر شامل أميركي إيراني.

لكن العقوبات الاخطر هي تلك التي فرضتها الأمم المتحدة على إيران منذ عام 2006 والتي تطورت تدريجيا نحو الحظر الشامل الذي استمر حتى العام 2015 والاتفاق النووي.

لقد ساد الاعتقاد عام 2015 أن رفع العقوبات سيهدئ من مخاوف إيران ويقلل من تصنيعها العسكري وسعيها لاختراق حدودها. لكن هذا لم يتغير.

والسبب في ذلك أن أزمة الثقة بين إيران والولايات المتحدة كما وأزمة الثقة مع اسرائيل عميقة بعمق ثورة إيران ضد الشاه وموقف إيران من الولايات المتحدة وتدخلها في الشأن الإيراني.

كما أن القواعد الأميركية في الإقليم العربي وقيام الولايات المتحدة بتغيير النظام في العراق، جعل إيران تشعر بضرورة أن تستعد لإمكانية قيام الولايات المتحدة بعملية عسكرية كبيرة تستهدف تغيير نظامها.

لهذا لم يقلل رفع العقوبات عن إيران منذ الاتفاق الإيراني في 2015 من اندفاعة إيران نحو العراق وسوريا واليمن ولبنان.

ويمكن القول بأن إيران تعاني اقتصاديا منذ زمن. ففي عام 2009 إنتشرت التظاهرات والإحتجاجات في إيران، وقد نتج عن تلك الحركة إنتخاب الرئيس الإيراني روحاني. التظاهرات والاحتجاج في إيران مستمر، وهذا طبيعي، لكن هذا لن يغير النظام، ولن يسقطه، ولن يغير الجغرافيا السياسية الإيرانية.

فإيران ستتعامل مع الإحتجاج من خلال فتح الفرص أو الإصلاح أو من خلال التركيز على الصراع مع الولايات المتحدة. ويجب الانتباه إلى ان العقوبات ستوحد الشعب الإيراني خلف دولته وتضعف من حركة الاحتجاج الساعية للتغير.

إن العقوبات على إيران والمدعومة اسرائيليا والتي يتبناها فريق ترامب الاكثر تطرفا أمثال جون بولتون اليميني، وممثلة أميركا في الأمم المتحدة نيكي هايلي ذات الميل الصهيوني الواضح، ووزير الخارجية بومبيو( رئيس “سي آي إيه” السابق) ستخلق مزيدا من ردود الفعل في العالم. إن التصعيد الأميركي يضر الحراك الإيراني الداخلي يوحد الأمة الإيرانية ويجعلها اكثر صلابة.

وبإمكان إيران أن تصعد من خلال العودة للبرنامج النووي والتخصيب، بإمكانها ان تكون دولة في طريقها لامتلاك السلاح النووي. لكنها لن تفعل ذلك على الأغلب وستلتزم بالاتفاق خاصة إن نجحت في جعل الصين وتركيا واوروبا ودول اخرى تخرج عن طوق العقوبات الأميركية.

هذكا يبدو أن ترامب حفر حفرة لنفسه، وربما على إيران أن تصبر سنتين لترى إلى اين ستسير الأمور مع ترامب والولايات المتحدة مع انتخابات عام 2020.

إن الضغط على إيران قد يؤدي لشرارة عسكرية ولمواجهة غير محسوبة، وقد يجد ترامب نفسه وقد تورط في شيء لم يكن يريده، وقد تتحول المعركة العسكرية لوبال على الولايات المتحدة التي فشلت في العراق وافغانستان.

وهذا لو وقع قد ينهي رئاسة ترامب كما أنهى العدوان الثلاثي عام 1956 الحياة السياسية لرئيس الوزراء البريطاني أنتوني ايدن.

لهذا أرى أنني استبعد المواجهة العسكرية الأكبر في المرحلة القادمة. فأميركا اليوم تبدو في حالة اهتزاز كما أنها مضطرة لاتباع سياسة العصا الغليظة مع الدول التي تستقل عن سياساتها وهذا يؤدي لمزيد من العزلة الأميركية.

هذه لحظات أميركية مليئة بالعزلة بأكثر منها لحظات صعود ونمو.

ومهما كانت الآراء بشأن ما وقع، يجب أن تبقى منطقة الخليج خالية من الحرب والنزاع، كما ويجب الحفاظ على السلم في منطقتنا خاصة وأن الحروب تدمر النسيج الوطني والاجتماعي والديني للمنطقة.

لقد جربت المنطقة حرب الخليج الاولى بين العراق وإيران، ثم حرب غزو نظام صدام حسين عام 1990 ثم حرب تغيير النظام العراقي عام 2003، كل الحروب كانت مدمرة وهي السبب في الكثير من الأوضاع التي تعيشها المنطقة العربية.

لهذا يجب بناء موازين قوى جديدة تحد من قدرة الولايات المتحدة على تنفيذ العقوبات على إيران، كما يجب ان لا تكون منطقة الخليج واحة أميركية وذلك عبر إدخال ترتيبات أمنية مع الاتراك والناتو وأوروبا والصين. بنفس الوقت يجب عدم وضع إيران في الزاوية الاقتصادية والسياسية.

فرغم الخلافات مع إيران في الملف السوري والعراقي واليمني يجب عدم محاصرة إيران. لكن مع ترامب هناك تفجير، وهذا ما يجب محاصرته والحد منه. لهذا يجب ان تبادر دول الخليج لحوار صادق وبناء مع إيران. يجب فتح قنوات مع إيران.

وبإمكان سلطة عمان أن تلعب هذا الدور، إذ عودتنا عمان عبر دورها في الاتفاق النووي عام 2015 على دورها السلمي، وكذلك بإمكان الكويت كما عودنا الشيخ صباح الاحمد أمير الكويت أن تمارس دورها السلمي والسياسي الحيادي.

* د. شفيق ناظم الغبرا أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت.

المصدر: القدس العربي

مفاتيح: إيران، العقوبات الأميركية، إدارة ترامب، دول الخليج، الوساطة الخليجية، اتفاق النووي الإيراني، برنامج الصواريخ، إسرائيل، الصين، أوروبا،

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة