إنقاذ البحرين من الإفلاس

الساعة 2510 نوفمبر 2018آخر تحديث :
إنقاذ البحرين من الإفلاس
  • كيف سيؤدي إنقاذ البحرين من الإفلاس إلى وصاية خليجية على البلاد؟ 
  • كشفت كذبة “أكبر اكتشاف نفطي في البحرين” مؤخرا أن السلطات فقدت السيطرة على الاقتصاد.
  • لم يعد المصرف المركزي يملك خيارات لمنع انهيار الدينار البحريني وإعلان إفلاس البحرين.

بقلم: عبد الهادي خلف

في الرابع من تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم، تمّ التوقيع على اتفاقية تُقدِّم بموجبها كل من السعودية والإمارات والكويت إلى البحرين دعماً مالياً بقيمة 10 مليارات دولار لتمويل برنامج يهدف إلى “تحقيق التوازن بين المصروفات والإيرادات الحكومية بحلول عام 2022”. وحسبما يتبين من التصريحات الرسمية، فإن الدعم الخليجي إلى البحرين يختلف هذه المرة في طبيعته وحجمه عن الهبات المالية التي اعتادت البلاد على استلامها من شقيقاتها في دول مجلس التعاون الخليجي. فهو يأتي في شكل قروض ميسّرة ولكنها مشروطة بتنفيذ سلسلة من الإجراءات التي يتعين على السلطات البحرينية اتخاذها لتجاوز أزمتها الاقتصادية ولمعالجة العجز المزمن في ميزانيتها.

البحرين بمواجهة الإفلاس

أحد أوجه الأزمة الاقتصادية المركبة التي تسعى اتفاقية الدعم الخليجي لمعالجتها هو أزمة الديون التي تعاني البحرين منها. في نهاية 2016 كان حجم الدَين العام 23 مليار دولار أميركي، أو ما يعادل 72 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في تلك السنة. وبلغ في نهاية 2017 أكثر من 26.5 مليار دولار أميركي أو ما يعادل 80 في المئة من إجمالي الناتج المحلّي. وفي 2018، وافق مجلس النواب على طلب الحكومة برفع السقف المسموح به للاقتراض إلى 34 مليار دولار أي ما يتجاوز 100 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.

استمر ارتفاع حجم الدين العام خلال العشرين سنة الأخيرة على الرغم من تحذيرات قوى المعارضة والخبراء الاقتصاديين، علاوة على مؤسسات دولية، ومنها صندوق النقد الدولي. فحسب آخر تقرير لخبراء المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي (9/7/2018) يساهم الانخفاض في أسعار النفط ونقص الاحتياطيات الوقائية في البحرين بـ”زيادة الانكشاف للمخاطر المالية وارتفاع نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي”. وتوقع التقرير أن تتباطأ وتيرة النمو على الرغم من تدابير الضبط المالي المزمع القيام به، وأن تؤدي فاتورة الفوائد الكبيرة والمتزايدة إلى استمرار عجز المالية العامة.

وكما هو متوقع، فإن ارتفاع حجم الدَين العام يعني ارتفاع كلفة خدمة ذلك الدَين، وبالتالي توجيه موارد الدولة إلى تسديد متطلبات خدمته بدلاً من توجيهها إلى إقامة مشاريع تنموية إنتاجية وخدمية. فعلى سبيل المثال، تشكل فوائد الدين العام المستحقة في عام 2018 وحده أكثر من مليارين وسبعمئة مليون دولار (أو ما يشكل 16 في المئة من بند المصروفات المتكررة في الميزانية).

ومما فاقم من سوء وضع البحرين المالي هو قيام عدد من وكالات التصنيف الائتماني بخفض تصنيف البلاد، ما أدى من جهة إلى تصعيب حصولها على قروض واعتمادات خارجية، وإلى رفع معدلات الفائدة على القروض التي قد تحصل عليها من جهة أخرى، علاوة على رفع كلفة تأمين تلك القروض. وشهدت الأشهر الماضية جهوداً حثيثة بذلها مسؤولو مصرف البحرين المركزي لإقناع تلك الوكالات برفع تصنيف البحرين الائتماني بغاية الحصول على وضع أفضل في السوق المالية الدولية. إلا إن تلك الجهود لم تُجدِ نفعاً.

كذبة “أكبر اكتشاف نفطي”

لم تتعامل السلطات مع العوامل البنيوية المسببة للأزمة المالية والتي جعلت البحرين تواجه خطر الإفلاس وأن تصبح “يونان الخليج”. عوضاً عن ذلك لجأت الحكومة إلى عددٍ من الخطوات “غير الاعتيادية” بما فيها الإعلان المفاجئ في بداية نيسان/ أبريل الماضي عن “أكبر اكتشاف نفطي في البحرين”. فحسبما ذكر كلٌ من ولي العهد ووزير النفط وغيرهما من كبار المسئولين في مؤتمرات ولقاءات صحافية، فإن الاكتشاف الجديد سيمكِّن البحرين من إنتاج 80 مليار برميل من النفط الخفيف علاوة على إنتاج “كميات كبيرة من الغاز الطبيعي تقدر بما بين 10 إلى 20 تريليون قدم مكعب.

لم يصدق كثيرون تلك “البشرى السارة” التي لو تحققت لأصبحت البحرين في مصاف السعودية ثراءً. نعم، ارتفعت آمال الناس في أن يمكّنهم “حقل النفط الجديد” من تحسين أحوالهم وهم يتابعون وسائل الإعلام المحلية تُسهب في عرض برقيات التهاني المتبادلة بين كبار العائلة الحاكمة. إلا إن لتلك الكذبة آثارٌ لم تكن محسوبة. فلقد تبين للمحللين الإقتصاديين والأطراف المعنية في السوق المالية إن لجوء السلطات البحرينية إلى الكذب المكشوف يؤكد إنها فقدت السيطرة على الوضع الاقتصادي، وإن مصرف البحرين المركزي لم يعد يملك خيارات جدية لمنع انهيار الدينار البحريني وإعلان إفلاس البحرين.

وهذا الإفلاس كان متوقعاً منذ انخفاض أسعار النفط في منتصف عام 2014 وما تلاه من تآكل أرصدة المصرف المركزي بحيث لم يكن لديه في بداية هذا الصيف سوى أقل من ملياري دولار. وهو مبلغ لا يكفي، حسب التقديرات، لتغطية أكثر من 40 يوماً من واردات البحرين من السلع والخدمات، وجزء صغير من ديونها الخارجية قصيرة الأجل. وبالفعل، استمرت قيمة الدينار البحريني في الإنخفاض لتصل في بداية حزيران/ يونيو الماضي إلى أدنى مستوياتها منذ 17عاماً مقابل الدولار الأميركي. من جهة أخرى، أدت المخاوف لدى المتعاملين في السوق المالية إلى موجة بيع في السوق الآجلة وهبوط في أسعار سندات البحرين الدولية.

البحرين تحت الوصاية الخليجية

تشترط اتفاقية الدعم الثلاثي أن تعمل البحرين على “تقليص المصروفات التشغيلية للحكومة، وتعزيز كفاءة الإنفاق الحكومي، وطرح برنامج التقاعد الاختياري لمن يرغب فيه من موظفي الحكومة، وزيادة كفاءة هيئة الكهرباء والماء لتحقيق التوازن بين إيراداتها ومصروفاتها، وتعزيز كفاءة وعدالة الدعم الحكومي المباشر لمستحقيه من المواطنين، إلى جانب تسهيل الإجراءات الحكومية وزيادة الإيرادات غير النفطية” (وكالة أنباء البحرين 4/10/2018).

تضع اتفاقية الدعم الثلاثي البحرين، وبتشجيع من صندوق النقد الدولي، تحت وصاية الدول المانحة الثلاث. فالشروط التي وضعتها هذه الدول مستقاة مباشرة من التوصيات التي تكررها منذ أكثر من عشر سنوات على مسامع المسؤولين في البحرين تقارير خبراء صندوق النقد الدولي المتتالية. وهي تتشابه معها أيضاً في أنها تتجاهل ثلاثة من أهم عوامل عدم التوازن بين موارد الدولة ومصروفاتها.

أول تلك العوامل يتمثل في تداعيات إرث استعماري أسسه البريطانيون قبل ستة عقود حين وضعوا أول ميزانية لمحميتهم في البحرين فخصصوا ثلث عوائد البلاد للعائلة الحاكمة. استمرت تداعيات هذا الإرث الاستعماري بعد الاستقلال وتكرّست في قائمة طويلة من الامتيازات التي يتمتع بها كل فرد من العائلة الحاكمة منذ الولادة وحتى الوفاة.

ويكمن العامل الثاني في السلطة المطلقة لدى العائلة الحاكمة في البحرين للتصرف في موارد البلاد وتوزيعها. ولم تتأثر هذه السلطة المطلقة – بل ربما ازدادت – بوجود برلمان منتخب نجحت العائلة الحاكمة في تقليص سلطاته وحولته إلى ذراع من أذرعتها.

أما العامل الثالث فهو استفحال مختلف أشكال الفساد الذي تحول إلى أداة من أدوات ممارسة الحكم وتوزيع المكرمات لتأكيد الولاء للعائلة الحاكمة.

على أية حال، فليس متوقعاً أن تؤدي اتفاقية الدعم الخليجي حتى في حال تطبيق شروطها بحزمٍ وصرامة، الى تحسين وضع البحرين الاقتصادي. فأغلب التمويل الخليجي البالغ قيمته 10 مليار دولار لن يستخدم لتمويل مشاريع إنتاجية أو خدماتية بل سيكون لخدمة الدَين الخارجي للحكومة في فترة الأربع سنوات القادمة، بما فيها كلفة تأمين القروض وتسديد الفوائد المترتبة عليها.

* د. عبد الهادي خلف أكاديمي بحريني، أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة لوند السويدية.

المصدر: السفير العربي

اقرأ ايضاً : البحرين : مفخرة الاستقواء بإسرائيل وتهمة «التخابر مع قطر»

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة